أعلنت شركة OpenAI المطورة لتطبيق ChatGPT عن خطط مفاجئة لإطلاق منصة توظيف تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يضعها في مواجهة مباشرة مع شريكها الاستراتيجي مايكروسوفت ومنصتها LinkedIn المهنية. هذا التطور يكشف عن تحول جذري في العلاقة بين الشركتين، حيث تتجه OpenAI نحو منافسة المجالات الأساسية لمايكروسوفت رغم الاستثمارات الضخمة البالغة 13 مليار دولار.
المنصة الجديدة التي ستحمل اسم "OpenAI Jobs Platform" تهدف لثورة حقيقية في عالم التوظيف الرقمي.

وكشفت فيدجي سيمو، الرئيسة التنفيذية للتطبيقات في OpenAI، أن المنصة ستوفر تجربة مختلفة تماماً عن النماذج التقليدية للتوظيف. فبدلاً من الاعتماد على الكلمات المفتاحية والشبكات الشخصية كما تفعل LinkedIn، ستستخدم خوارزميات متطورة لتحليل المهارات الدقيقة وربطها بمتطلبات الوظائف بدقة استثنائية. هذا النهج الذكي سيمكن الشركات من العثور على المرشحين المناسبين بسرعة أكبر وكفاءة أعلى.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو توقيت هذا الإعلان، حيث أشار سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـOpenAI، خلال عشاء تقني رفيع المستوى في البيت الأبيض إلى استراتيجية الشركة الجديدة. ألتمان وضح أن الهدف ليس مجرد تطوير أدوات ذكاء اصطناعي، بل بناء "بنية تحتية اجتماعية واقتصادية" تشمل سوق العمل والمهارات والاعتماد المهني. هذا التوجه يعكس طموحات OpenAI للانتقال من شركة تقنية إلى قوة مؤثرة في إعادة تشكيل الاقتصاد الرقمي.
ما يميز خطة OpenAI عن منافسيها هو النهج المتكامل الذي يجمع بين التدريب والاعتماد والمطابقة في منظومة واحدة. الشركة تطلق "أكاديمية OpenAI" التي ستقدم برامج شهادات مهنية في مستويات مختلفة من "الطلاقة في الذكاء الاصطناعي"، من الاستخدام الأساسي إلى التخصصات المتقدمة مثل هندسة التعليمات. هذه الشهادات ستكون قابلة للتحقق ومدمجة مباشرة في منصة التوظيف، مما يوفر للشركات ضماناً أكبر حول قدرات المرشحين الحقيقية.
البرنامج التدريبي سيعتمد على وضع "Study Mode" الجديد في ChatGPT، الذي يحول الروبوت إلى معلم تفاعلي يطرح الأسئلة ويقدم التوجيهات بدلاً من تقديم الإجابات الجاهزة. هذا النهج التفاعلي يضمن فهماً أعمق للمفاهيم وتطبيقاً عملياً أكثر فعالية للمهارات المكتسبة.
الطموح الأكبر لـOpenAI يتجلى في هدفها المعلن لمنح 10 ملايين أمريكي شهادات مهنية في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. هذا الرقم الضخم يشير إلى خطة استراتيجية طويلة المدى لإعادة تأهيل القوى العاملة الأمريكية للعصر الرقمي الجديد. وقد بدأت الشركة بالفعل في تنفيذ هذه الخطة من خلال التعاون مع عمالقة مثل وولمارت، أكبر شركة في الولايات المتحدة من حيث عدد الموظفين.
التوتر المتزايد بين OpenAI ومايكروسوفت ليس مفاجئاً تماماً، فقد وصفت مايكروسوفت رسمياً في تقريرها السنوي الأخير شريكتها OpenAI بأنها "منافس مباشر" في مجالات البحث والإعلانات المرتبطة بالأخبار. هذا التصريح الصريح يكشف عن حقيقة العلاقة المعقدة بين الشركتين، حيث تجمع بينهما المصالح المالية وتفرقهما المنافسة التجارية.
المنصة الجديدة ستوفر أيضاً حلولاً مخصصة للشركات الصغيرة والحكومات المحلية، مما يميزها عن LinkedIn التي تركز بشكل أساسي على الشركات الكبيرة والمحترفين من الطبقة العليا. سيمو أكدت أن المنصة "لن تكون مجرد وسيلة للشركات الكبرى لجذب المواهب، بل ستساعد الأعمال المحلية على المنافسة والحكومات المحلية على إيجاد خبراء الذكاء الاصطناعي اللازمين لخدمة مواطنيها".
هذا التوجه نحو الشمولية يعكس فهماً عميقاً لاحتياجات السوق المتنوعة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الشركات الصغيرة في الوصول للمواهب المتخصصة في التكنولوجيا. المنصة ستقدم واجهات مبسطة وأدوات تلقائية تمكن هذه الشركات من التوظيف بكفاءة دون الحاجة لخبرة تقنية متعمقة.
من المتوقع إطلاق منصة OpenAI Jobs في منتصف عام 2026، مما يمنح الشركة وقتاً كافياً لتطوير التقنيات والشراكات اللازمة. هذا التوقيت الاستراتيجي يتيح أيضاً للشركة مراقبة استجابة السوق وتطوير استراتيجيات المنافسة المناسبة.
التأثير المحتمل لهذه المنصة على سوق العمل قد يكون ثورياً، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة من تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف التقليدية. فبينما تشهد بعض الشركات مثل Salesforce تسريحات مرتبطة بتبني الذكاء الاصطناعي، تؤكد البيانات أن الوظائف المرتبطة بهذا المجال توفر رواتب أعلى من المتوسط العام.
نجاح OpenAI في تحقيق أهدافها الطموحة سيتوقف على قدرتها على بناء الثقة مع المستخدمين وضمان جودة المطابقة وموثوقية نظام الاعتماد. العوامل الحاسمة ستشمل حماية البيانات الشخصية، تجنب التحيز في الخوارزميات، وضمان الشفافية في عمليات المطابقة والترشيح.