في زمن يبحث فيه العالم عن المعجزات الحقيقية، يقف طفل مصري في الإسكندرية ليحفظ القرآن الكريم كاملاً رغم تحدياته الخاصة، مُحطماً كل الحواجز والتوقعات. ما يحتاجه الشخص العادي لسنوات طويلة لإتقانه، يحفظه هؤلاء الأطفال الاستثنائيون في أشهر قليلة، في مشهد يُعيد تعريف معنى الإعجاز البشري. والآن، وكيل الأزهر يكشف النقاب عن هذه الكنوز البشرية النادرة التي تحتاج اكتشافها قبل فوات الأوان.
في لقاء حميمي هز المشاعر، جمع الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ثلاث نماذج استثنائية تُجسد قوة الإرادة البشرية وعظمة الذاكرة القرآنية. زياد عمر، الطفل الذي يصفه المختصون بـ"متلازمة العبقري"، أذهل الحضور بقدرته على استظهار آيات القرآن بطلاقة مدهشة، بينما قدمت إيمان أحمد والزهراء رجب من معهد فتيات الشعراوي أداءً يُقشعر له الأبدان. "رأيت النور يشع من عيونهم عند تلاوة كل آية، كان مشهداً يفوق الوصف"، تقول محفظة القرآن نجلاء السيد التي شهدت اللحظات المؤثرة.
وراء هذا الإنجاز المذهل تقف مؤسسة الأزهر الشريف بتاريخها العريق الممتد لأكثر من ألف عام في رعاية المواهب القرآنية. كما كان الأزهر منارة للعلم عبر القرون، يواصل اليوم إضاءة طريق المواهب الخاصة ورعايتها. الدكتور سامي العطار، خبير التربية الخاصة، يؤكد: "هذه النماذج تُعيد تعريف مفهوم الإعاقة بالكامل، فما نراه ليس قيوداً بل قدرات خارقة تحتاج فقط للاكتشاف والصقل". البرامج النوعية التي طورها الأزهر حولت التحديات إلى مواهب، والصعوبات إلى نقاط قوة استثنائية.
اليوم، تتغير حياة آلاف الأسر المصرية التي تكتشف أن أطفالها قد يحملون نفس هذه المواهب الكامنة. أم أحمد، والدة إيمان، تعترف بدموع الفرح: "كنت أخشى ألا تستطيع ابنتي مواكبة زميلاتها، واليوم أراها تتفوق عليهن جميعاً". هذا النجاح يفتح آفاقاً واسعة لتوسيع البرامج النوعية، لكنه يتطلب دعماً مجتمعياً حقيقياً واستثماراً في التدريب المتخصص. الفرصة الذهبية أمامنا الآن: إما أن نستثمر في هذه المواهب الفريدة، أو نتركها تضيع في زحام الحياة.
وبينما يواصل الأزهر الشريف رسالته العظيمة في اكتشاف ورعاية حفظة كتاب الله، يبقى السؤال الأهم يتردد في أذهان الآباء والأمهات: كم من هذه المواهب الاستثنائية تنتظر الاكتشاف في بيوتنا؟ الجواب يكمن في نظرة واحدة... نظرة حب وإيمان بقدرات أطفالنا اللامحدودة.