أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة جدل واسعة بعد نشر صورة مُولّدة بالذكاء الاصطناعي تُظهره مرتدياً زياً عسكرياً على خلفية قصف مدينة شيكاغو، مرفقة برسالة تهديدية مباشرة: "ستعرف قريباً سبب تسمية وزارة الحرب". هذا التطور يطرح تساؤلات جدية حول احتمالية تحويل أمريكا إلى ساحة معركة داخلية تحت إدارة ترامب الثانية.
جاءت هذه الصورة المثيرة للجدل في أعقاب توقيع ترامب أمراً تنفيذياً يوم الجمعة بتغيير تسمية وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، في إشارة واضحة إلى تحول جذري في الخطاب العسكري الأمريكي من موقف دفاعي إلى موقف هجومي. تحمل الصورة عبارة "Chipocalypse Now" في إشارة مقتبسة من فيلم "Apocalypse Now" الذي يتناول حرب فيتنام.

استخدم دونالد ترامب عبارة أخرى مقتبسة من نفس الفيلم: "أعشق رائحة الترحيل في الصباح"، محوّراً العبارة الشهيرة للمقدم كيلغور "أحب رائحة النابالم في الصباح". هذا الاقتباس السينمائي من فيلم حربي يكشف عن استراتيجية إعلامية متقنة تهدف إلى ربط صورته بالقوة العسكرية والانتصار الحاسم.
يأتي تهديد ترامب لـشيكاغو في سياق خطط فعلية كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست" حول موافقة وزارة الدفاع على استخدام قاعدة بحرية على مشارف المدينة كمنطقة انطلاق لعمليات ضد المهاجرين غير الشرعيين. هذه الخطة تتضمن نشر آلاف من قوات الحرس الوطني في ثالث أكبر مدينة أمريكية من حيث عدد السكان، مما يُنذر بتحويل شوارعها إلى مسرح عمليات عسكرية.
وصف ترامب شيكاغو بأنها "أخطر مدينة في العالم بفارق كبير"، مستشهداً بإحصاءات تشير إلى تعرض 54 شخصاً لإطلاق نار خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، توفي منهم 8 أشخاص. هذا التبرير يُستخدم لإضفاء شرعية على خطط النشر العسكري في المدن الأمريكية، مما يثير مخاوف جدية حول تآكل الحدود بين الأمن المدني والعسكري.
قرار تغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب" ليس مجرد تغيير شكلي، بل يحمل دلالات عميقة على التوجه الاستراتيجي الجديد للإدارة الأمريكية. وزير الدفاع الجديد بيت هيغسيث، الذي أصبح رسمياً "وزير الحرب"، أكد أن التغيير يعكس فلسفة "السلام من خلال القوة" وأن الوزارة ستتبنى موقفاً هجومياً بدلاً من الدفاعي فقط.

يحمل استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج صور ترامب العسكرية بُعداً تكنولوجياً مقلقاً، حيث يُمثل سابقة خطيرة لاستخدام التقنيات المتقدمة في التلاعب بالرأي العام وتبرير السياسات العدوانية. هذا النهج يُشير إلى تطور جديد في الدعاية السياسية يجمع بين التكنولوجيا والخطاب العسكري لخلق صور مؤثرة تخدم أجندة سياسية محددة.
تواجه إدارة ترامب تحديات قانونية في تنفيذ خططها، حيث لا يمكن تغيير اسم وزارة الدفاع رسمياً دون موافقة الكونغرس، كما أن استخدام القوات العسكرية ضد المدنيين يثير قضايا دستورية معقدة. رغم ذلك، يُظهر الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب عزماً على المضي قدماً بهذه الخطط، حتى لو بدأت كـ"تسمية ثانوية" للوزارة.
تُقدر تكلفة إعادة تسمية الوزارة وإعادة تصميم مئات الوكالات والشعارات وعناوين البريد الإلكتروني والزي الرسمي بحوالي مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يُثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. هذه التكلفة الباهظة تعكس حجم التغيير المؤسسي المطلوب لتنفيذ رؤية ترامب العسكرية.
يُمثل تهديد ترامب لشيكاغو ونشر صورته بالزي العسكري نقطة تحول محتملة في تاريخ السياسة الأمريكية الداخلية. إذا تم تنفيذ هذه الخطط، فقد تشهد الولايات المتحدة تحولاً جذرياً نحو عسكرة الأمن الداخلي بطريقة لم تشهدها منذ عقود، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الحريات المدنية والديمقراطية في أمريكا تحت قيادة ترامب الثانية.