في لحظة تاريخية تحبس الأنفاس، تتردد أصوات 150 طالباً يتلون كتاب الله في قلب أقدس بقاع الأرض - المسجد الحرام. للمرة الأولى في التاريخ الحديث، تجتمع تقنيات العصر مع بركة المكان المقدس في دورة واحدة تجمع بين التحفيظ والتلاوة والتفسير. الخبراء يؤكدون: فرصة كهذه قد لا تتكرر لعقود، وكل دقيقة تمر دون استغلالها تعني ضياع بركة لا تُقدر بثمن.
تحت إشراف 12 معلماً متخصصاً يحملون خبرة عقود في تعليم القرآن، تنطلق دورة "الإتقان لحفظ القرآن" في أروقة الحرم المقدسة. محمد العتيبي، شاب من الطائف يبلغ 24 عاماً، لا يخفي دموع الفرح وهو يقول: "حلم طفولتي كان حفظ القرآن في الحرم، واليوم أعيش اللحظة التي طالما حلمت بها". الأستاذ أحمد الغامدي، أحد المعلمين بخبرة 15 عاماً، يشرح: "كل طالب هنا أمانة في عنقي، والمكان المبارك يضاعف المسؤولية والأجر معاً".
هذه الدورة تعيد إحياء تقليد عمره 1400 سنة، حيث كان الصحابة يتعلمون القرآن من النبي ﷺ في المسجد النبوي. د. عبدالرحمن الشريف، المختص في علوم القرآن، يؤكد أن "التعلم في الحرم يضاعف البركة والتركيز بشكل لا يمكن تفسيره إلا بالتجربة الشخصية". كما تعلم الأولون في ظلال الوحي، يتعلم طلاب اليوم تحت أنوار الحرم الذهبية، في مشهد يذكر بعظمة التراث الإسلامي الخالد.
التأثير لا يقتصر على الطلاب المشاركين فحسب، بل يمتد ليشمل عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. كل خريج من هذه الدورة سيكون نواة لنشر تعاليم القرآن في بلده، مما يعني أن تأثير هذه الحلقات الصغيرة سيصل إلى ملايين المسلمين حول العالم. فاطمة المطيري، حاجة كويتية، تصف المشهد قائلة: "رأيت الطلاب يتلون القرآن وكأن الملائكة تحفهم، لم أشعر بخشوع كهذا في حياتي". البرنامج يوفر فرصاً تعليمية استثنائية للراغبين، لكن الأماكن محدودة والوقت يمر بسرعة البرق.
هذه الدورة ليست مجرد برنامج تعليمي، بل نواة لثورة حقيقية في تعليم القرآن عالمياً. الجمع بين عراقة المكان وحداثة التقنيات التعليمية قد يشكل نموذجاً يُصدّر للعالم الإسلامي كله. على كل مهتم بخدمة كتاب الله أن يغتنم الفرص القادمة والتسجيل في الدورات المستقبلية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون من الذين غنموا بركة تعلم القرآن في أقدس بقاع الأرض، أم ستندم على فرصة لن تتكرر كثيراً؟