في قرار مفصلي هز أركان صناعة المناسبات بالمملكة، أقرت وزارة البلديات والإسكان 15 اشتراطاً تنظيمياً جديداً لقاعات الأفراح والمعارض، مما وضع آلاف أصحاب القاعات الحاليين أمام اختبار البقاء أو الانقراض. موقف سيارة واحد لكل 25 متر مربع ومسافة 150 سم بين الطاولات - هذان الرقمان فقط قد يقلبان صناعة بمليارات الريالات رأساً على عقب، وأصحاب القاعات أمامهم أشهر معدودة للالتزام أو مواجهة الإغلاق النهائي.
أبو محمد العتيبي، صاحب قاعة أفراح تراثية عمرها 15 عاماً، يروي صدمته: "شاهدت استثمار العمر يتهاوى خلال دقائق من قراءة الاشتراطات الجديدة، التطوير المطلوب يكلفني أكثر من 200 ألف ريال." الأرقام مرعبة فعلاً - قاعة بمساحة 1000 متر مربع تحتاج الآن 40 موقف سيارة، مما قد يضاعف المساحة المطلوبة ويرفع التكاليف التشغيلية بنسبة تتراوح بين 25% إلى 40%، بحسب خبراء القطاع. وبينما تتطلب الاشتراطات الجديدة الحصول على موافقة الدفاع المدني والتعاقد مع جمعيات حفظ النعمة، تبدو الصورة وكأن صناعة كاملة تخضع لإعادة هيكلة جذرية.
لكن هذا القرار لم يأت من فراغ، بل يأتي ضمن رؤية 2030 الطموحة لتطوير قطاعات الترفيه والضيافة وتحويل المملكة لوجهة عالمية للمؤتمرات والمناسبات. مثل قوانين البناء في دبي التي حولتها لعاصمة عالمية للمؤتمرات، تسعى هذه الاشتراطات لرفع سقف الجودة والاحترافية. الدكتورة سارة الغامدي، خبيرة التخطيط الحضري، تؤكد: "الاشتراطات الجديدة ستحسن جودة الخدمات بشكل جذري، لكنها قد تزيد التكاليف 25% على الأقل." والحقيقة أن نمو الطلب على المناسبات والحاجة لتحسين جودة الخدمات جعلا هذا التطوير حتمياً، خاصة مع دخول مستثمرين كبار للسوق.
التأثير على الحياة اليومية سيكون ملموساً خلال الأشهر القادمة. فاطمة أحمد، عروس تخطط لزفافها العام القادم، تقول: "أتطلع لقاعات أكثر تنظيماً وجودة حتى لو كان السعر أعلى." لكن هذا التحسن يأتي بثمن - توقع ارتفاع أسعار الزفاف بنسبة 30% على الأقل، وصعوبة في حجز القاعات المطورة. في المقابل، يقف المهندس خالد الحارثي، مستثمر شاب حصل مؤخراً على ترخيص لقاعة عصرية، في الجانب المشرق: "هذه فرصة ذهبية للمستثمرين الجدد لدخول سوق منظم ومربح." السيناريو الأكثر احتمالاً يشير لتطوير تدريجي مع فترة سماح، لكن خروج 40% من القاعات الحالية من السوق يبقى احتمالاً وارداً.
الحقيقة الواضحة أن صناعة المناسبات في المملكة تقف على مفترق طرق تاريخي. الاشتراطات الـ15 الجديدة ليست مجرد متطلبات بيروقراطية، بل ثورة حقيقية ستعيد تشكيل القطاع بالكامل خلال العامين القادمين. على أصحاب القاعات الحاليين البدء فوراً في دراسة جدوى التطوير المطلوب، فالوقت ينفد سريعاً. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستصمد قاعتك أمام معايير المستقبل، أم ستنضم لقائمة الذكريات؟