أعلنت السلطة المحلية في مديرية البريقة بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، المديرية منطقة منكوبة رسميًا، إثر كارثة إنسانية مروعة خلفتها السيول الجارفة التي ضربت المنطقة منذ فجر السبت 23 أغسطس 2025، حيث انهارت عشرات المنازل بالكامل وتضررت مئات أخرى جزئيًا، فيما لا تزال مئات الأسر محاصرة داخل منازلها الغارقة في المياه.
وأسفرت الكارثة الطبيعية عن خسائر بشرية ومادية ضخمة طالت مناطق بئر أحمد والحسوة تحديدًا، حيث فقدت عشرات الأسر مساكنها ومقتنياتها الأساسية كليًا، بينما تعذر الوصول إلى عشرات الأسر الأخرى العالقة في مدينة إنماء بعد انقطاع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المديرية.
ووصف الدكتور صلاح الشوبجي، مدير عام مديرية البريقة، الذي نجا بأعجوبة أثناء محاولته إنقاذ مواطن جرفته السيول، الوضع القائم بأنه "كارثي وخارج عن السيطرة"، مؤكدًا أن التداعيات تتفاقم مع استمرار تدفق موجات السيول القادمة من محافظتي لحج والضالع نحو منطقة ساحل الحسوة.
وتسببت الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة في جرف سيارات وباصات نقل، وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، حيث اختلطت مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي في بعض الأحياء، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية مضاعفة. كما سُجلت وفيات وإصابات نتيجة الانهيارات المفاجئة والغرق، دون حصر نهائي للعدد حتى الآن.
وفي ظل العجز التام للإمكانيات المحلية، وجهت السلطة المحلية نداء استغاثة عاجل إلى منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، والجهات الحكومية والمانحة، للتدخل الفوري عبر توفير مأوى طارئ وحقائب إيواء شاملة تتضمن بطانيات وفرش ومستلزمات أساسية للأسر المنكوبة.
وطالبت السلطة المحلية بتقديم مواد غذائية أساسية للأسر المتضررة، إضافة إلى دعم لوجستي وإغاثي لمساندة فرق الإنقاذ والإجلاء، وآليات ومضخات شفط لتصريف المياه الراكدة ومنع تحولها إلى بؤر للأوبئة والأمراض، مشيرة إلى أن الكارثة الإنسانية المتسارعة تفوق قدراتها على الاستجابة الفعالة.
وبتوجيهات من وزير الدولة ومحافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس، دفعت السلطات المحلية بعشرات الآليات التابعة لصندوق النظافة والتحسين والمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي للعمل في مختلف المديريات المتضررة. وشملت المهام شفط وتصريف المياه من مواقع التجمعات الرئيسية، ومحاولة فتح الطرق، وإنقاذ الأسر المحاصرة.
وقادت قوات الحزام الأمني، بالتنسيق مع قوات الاحتياط وشرطة السير، حملة ميدانية لتأمين مجاري السيول والمفترقات الرئيسية المحيطة بمنطقة الحسوة، مع تنفيذ عمليات إنقاذ وإجلاء عاجلة للأسر العالقة. فيما أعربت لجنتا الخدمات والصحة والبيئة في مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي عن استعدادهما لتقديم الدعم الفني واللوجستي.
ولم تنتهِ الكارثة عند السيل الأول، حيث أفادت مصادر محلية بوصول موجة سيول ثانية عبر وادي الحسوة بعد ساعات قليلة من الأولى، وكانت أكثر اندفاعًا، ما رفع منسوب المياه في مناطق عدة وزاد من احتمالات وقوع مزيد من الأضرار. وحذرت من خطورة الاقتراب من مجاري الأودية أو محاولة عبورها.
وأكدت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية أن هذه السيول تشكل إنذارًا مبكرًا لاحتمال وقوع كوارث أكبر مستقبلاً، خاصة في منطقة الحسوة، نتيجة البناء العشوائي الذي يعيق مجاري السيول الطبيعية. وأعلنت الهيئة استعدادها لإجراء دراسة تفصيلية بالتنسيق مع السلطة المحلية لإعادة تأهيل مجاري الأودية وتقليل المخاطر على الأرواح والممتلكات.
وشددت السلطة المحلية على أن ما حدث كشف هشاشة البنية التحتية وغياب منظومة تصريف مياه الأمطار، إضافة إلى تفاقم البناء العشوائي في مجاري السيول، وهو ما ساهم في تضاعف حجم الكارثة. وأكدت أن تجاوز هذه الأوضاع يتطلب وضع حلول جذرية وعاجلة لبناء شبكة حديثة لتصريف مياه الأمطار، وتطوير التخطيط الحضري بما يحمي المدينة من كوارث مماثلة في المستقبل.
وتعتبر كارثة السيول الأخيرة في العاصمة عدن جرس إنذار خطير يسلط الضوء على ضرورة التدخل العاجل لإغاثة المنكوبين، وفي الوقت نفسه يدعو إلى معالجة البنية التحتية المتهالكة. وبينما تواصل فرق الطوارئ والأجهزة الأمنية جهودها لإنقاذ الأرواح، يبقى الأمل معقودًا على سرعة الاستجابة الإنسانية والدعم الدولي لتخفيف مأساة آلاف الأسر المتضررة.