في صدمة لم يتوقعها ملايين المواطنين، أعلنت مصلحة الأحوال المدنية في صنعاء عن رسوم جديدة مضاعفة لاستخراج البطاقة الشخصية تصل إلى 8500 ريال في بعض الحالات - مبلغ يكفي لإطعام أسرة كاملة لأسابيع. هذا القرار المفاجئ جاء بعد أسبوع فقط من إعلان إلغاء جميع البطائق التي تجاوزت عشر سنوات من تاريخ إصدارها، مما خلق أزمة حقيقية أمام المواطنين الذين يجدون أنفسهم أمام خيارين صعبين: دفع مبالغ باهظة أو تعطيل جميع معاملاتهم الرسمية.
الأرقام الجديدة تحكي قصة صادمة: بينما تبلغ رسوم استخراج بطاقة جديدة أو تجديدها 3500 ريال، ترتفع التكلفة إلى 6500 ريال لبدل التالف، وتصل ذروتها عند 8500 ريال لبدل الفاقد. أحمد، أب لثلاثة أطفال من صنعاء، يروي محنته: "اكتشفت أن بطاقتي انتهت صلاحيتها عند محاولة تسجيل ابني في المدرسة، والآن أحتاج لدفع مبلغ يعادل راتب شهر كامل لاستخراج بدل فاقد". هذه المأساة تتكرر يومياً في مكاتب الأحوال المدنية حيث تتشكل طوابير طويلة من المواطنين المصدومين.
جذور هذه الأزمة تعود لقرار سابق اتخذته المصلحة مطلع الأسبوع الماضي بإلغاء جميع البطائق القديمة، مما أجبر الملايين على التجديد الإجباري. الخبراء يربطون هذا التوقيت المريب بالحاجة المالية الماسة للسلطات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. د. محمد الإداري، متخصص في الشؤون المدنية، يؤكد: "هذه الرسوم تهدف لتمويل تحديث النظام، لكن توقيتها يثير تساؤلات حول مدى مراعاة الظروف المعيشية للمواطنين". المقارنة صارخة: بينما كانت رسوم الوثائق رمزية في السابق، أصبحت اليوم تشكل عبئاً حقيقياً يضاهي ضرائب العثمانيين على الوثائق الرسمية في القرن التاسع عشر.
الواقع اليوم أصبح قاسياً: فاطمة، الموظفة التي تمكنت من تجديد بطاقتها مبكراً، تعتبر نفسها محظوظة، بينما يواجه آلاف المواطنين خيارات مؤلمة. سالم العامل، الذي فقد بطاقته، يقف في طابور منذ الفجر: "المبلغ يعادل أجر أسبوعين من العمل الشاق، لكن بدون البطاقة لا أستطيع حتى فتح حساب بنكي لأطفالي". التأثير يمتد لكل جوانب الحياة: صعوبة في المعاملات البنكية، مشاكل في التوظيف، تعقيدات في السفر، وحتى تسجيل الأطفال في المدارس أصبح معركة يومية. الرقم المجاني 8000185 يرن بلا انقطاع بشكاوى المواطنين الذين يطالبون بحلول عادلة.
مع استمرار تدفق المواطنين على مكاتب الأحوال المدنية وسط مشاهد مؤثرة من الإرهاق والقلق، يبدو أن اليمنيين يواجهون واقعاً جديداً حيث حتى الحصول على هويتهم الشخصية أصبح ترفاً مكلفاً. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل نتجه نحو مجتمع تصبح فيه الوثائق الرسمية امتيازاً لا يستطيع تحمله إلا الأثرياء؟ الإجابة تكمن في تحرك المواطنين السريع قبل أن تصبح البطاقة الشخصية مجرد حلم بعيد المنال للكثيرين.