تواجه الأسواق اليمنية واقعاً اقتصادياً مدمراً يتجسد في فجوة صرف تاريخية غير مسبوقة عالمياً، حيث يصل الفارق في أسعار الذهب بين العاصمة المؤقتة عدن ومناطق سيطرة جماعة الحوثي في صنعاء إلى أربعة أضعاف القيمة، مما يضع البلاد أمام انهيار كامل في النظام النقدي الموحد ويهدد أسس الحياة الاقتصادية للمواطنين اليمنيين.
تكشف البيانات المالية الحديثة عن هوة سحيقة في أسعار المعادن النفيسة تتجاوز كل التوقعات الاقتصادية، حيث يُباع جرام الذهب عيار 21 في صنعاء بـ51,500 ريال للبيع، بينما يقفز ليصل إلى 195,000 ريال في عدن، محققاً فجوة مدمرة تتخطى 278% تعكس انهياراً كاملاً في وحدة السوق اليمنية.
الأكثر صدمة يظهر في أسعار جنيه الذهب الذي تحول إلى رمز للانقسام الاقتصادي المرعب، حيث يُباع في صنعاء بـ400,000 ريال مقابل 1,475,000 ريال في عدن، ما يعني أن المواطن في عدن يحتاج لأكثر من مليون ريال إضافي لشراء نفس كمية الذهب المتاحة في صنعاء. هذا التباين الاستثنائي يضع الريال اليمني في موقف فريد عالمياً كعملة تعيش انقساماً شاملاً داخل حدودها الجغرافية الواحدة.
تمتد هذه الكارثة الاقتصادية لتشمل العملات الأجنبية أيضاً، حيث يسجل سعر صرف الدولار في عدن 1632 ريالاً للبيع مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء، محققاً فارقاً مدمراً يبلغ 1092 ريالاً يمنياً. كما يشهد الريال السعودي تفاوتاً مماثلاً، متراوحاً بين 428 ريالاً في عدن مقابل 140.5 ريال في صنعاء، ما يعني فجوة تقارب 287.5 ريال تُظهر شمولية الأزمة النقدية وتأثيرها على جميع العملات المتداولة.
يكمن الجذر الأساسي لهذه الفجوة القياسية في فشل النظام المصرفي اليمني في الحفاظ على وحدة العملة الوطنية، حيث يعمل البنك المركزي في عدن والبنك المركزي في صنعاء كمؤسستين متعاديتين تطبق كل منهما سياسات نقدية متضاربة تعمق الهوة الاقتصادية بشكل مضطرد. هذا الانقسام المدمر خلق بيئات سعرية منفصلة تماماً تتطور وفق ديناميكيات محلية مختلفة، مما يضع اليمن في موقف استثنائي بلا نظير في التاريخ الاقتصادي المعاصر.
تُساهم القيود المصرفية والتحديات اللوجستية في تعميق هذه الفجوة بشكل مستمر، حيث تواجه عمليات النقل التجاري بين المناطق تكاليف إضافية باهظة تشمل التأمين والمخاطر الأمنية والعمولات المتعددة. هذه التحديات تنعكس مباشرة على الأسعار النهائية للمعادن النفيسة، كما تختلف مستويات العرض والطلب على الذهب بين المناطق نتيجة اختلاف القدرة الشرائية والسياسات النقدية المتبعة.
تضع هذه الفجوة الهائلة المواطنين والتجار أمام تحديات استثنائية في حياتهم اليومية، فالمسافر بين المدينتين يواجه معادلات معقدة لتحويل أمواله، بينما يجد المستثمرون في الذهب أنفسهم أمام أسواق منفصلة تماماً ذات قوانين اقتصادية مختلفة. هذا الوضع يخلق بيئة اقتصادية مشوهة حيث تختلف تكلفة الاستثمار في المعادن النفيسة بشكل كبير داخل البلد الواحد، مما يؤثر على قرارات التوفير والاستثمار طويل المدى للمواطنين.
رغم بعض المؤشرات الإيجابية المحدودة في استقرار أسعار صرف الريال اليمني في عدن خلال الأسابيع الأخيرة نتيجة بعض الإجراءات الحكومية، إلا أن الفجوة الضخمة في أسعار الذهب تظل مصدر قلق كبير للاقتصاديين والمراقبين الدوليين. يحمل المواطن العادي العبء الأكبر من هذا الانقسام، حيث تتحول قرارات الاستثمار في الذهب كملاذ آمن إلى مخاطرة مححوفة بالتعقيدات الجغرافية والسياسية.
يؤكد هذا الوضع المأساوي أن الصراع في اليمن تجاوز كونه صراعاً سياسياً أو عسكرياً ليصبح حرباً اقتصادية شاملة تستهدف أسس الحياة المالية للمواطنين. تُظهر هذه الأرقام الصادمة التحدي الهائل الذي يواجه أي محاولة مستقبلية لإعادة توحيد السوق اليمنية، حيث سيتطلب الأمر آليات معقدة لتوحيد أسعار المعادن النفيسة وإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي الموحد، خاصة مع اعتياد المواطنين والتجار على هذا النظام المنقسم على مدى سنوات طويلة من الصراع والانقسام.