في تطور اقتصادي صاعق هز أسواق اليمن، سجلت أسعار الذهب فجوة مليونية تاريخية بين صنعاء وعدن، حيث وصل الفرق في سعر الجنيه الواحد إلى أكثر من مليون ريال! نفس القطعة الذهبية تساوي في عدن ثلاثة أضعاف قيمتها في صنعاء، وكأن اليمنيين يعيشون في بلدان مختلفة. خلال ساعات قليلة من مساء الثلاثاء، شهدت الأسواق زلزالاً حقيقياً خسر على إثره أصحاب الذهب في العاصمة الشمالية مليارات الريالات مقارنة بأقرانهم في الجنوب.
تفاصيل صادمة تكشف حجم الكارثة: جنيه الذهب في صنعاء يُباع بـ 480 ألف ريال، بينما نفس الجنيه في عدن يصل إلى 1.463 مليون ريال - فجوة تقارب 200% تصعب على العقل استيعابها. فاطمة المقطري، ربة بيت من صنعاء تملك مصوغات ذهبية ورثتها من والدتها، تحكي بحسرة: "شعرت وكأنني أعيش في عالم موازٍ، ذهبي الذي اعتبرته كنزي أصبح يساوي ثلث قيمته الحقيقية." على الجانب الآخر، يبتسم أحمد العولقي، صائغ من عدن: "زبائني من صنعاء يأتون بالطائرة لبيع ذهبهم هنا، والفرق يغطي تكلفة السفر وأرباح خيالية."
الجذور العميقة لهذه الأزمة تمتد إلى انقسام البنوك المركزية عام 2016، عندما بدأت السياسات النقدية المختلفة تخلق عوالم اقتصادية منفصلة. الحرب المدمرة، صعوبات النقل، والمضاربات الجنونية تضافرت لتخلق هذا الوضع المأساوي. د. محمد الأهدل، الخبير الاقتصادي اليمني المعروف، يحذر بقلق: "إذا لم تتدخل القوى الدولية والسلطات المحلية فوراً، فسنشهد انقساماً اقتصادياً كاملاً قد يدوم عقوداً." المشهد يذكرنا بأزمة لبنان المالية 2019، لكن الوضع اليمني أكثر تعقيداً وخطورة.
التأثير على الحياة اليومية يفوق كل التوقعات: العرائس في صنعاء يواجهن أزمة حقيقية في تقدير قيمة مهورهن الذهبية، بينما أسر كاملة تعيد النظر في مدخراتها التي تحولت من كنوز إلى أعباء. عبدالله الحضرمي، التاجر الذكي الذي نقل مخزونه إلى عدن قبل تفاقم الأزمة، حقق أرباحاً تفوق 300%: "الذي يملك عشرة جنيهات في صنعاء قيمتها 4.8 مليون ريال، لكن لو نقلها إلى عدن ستصبح 14.6 مليون - فرق عشرة ملايين ريال!" موجة نقل جماعية للذهب من الشمال للجنوب بدأت تضع ضغوطاً هائلة على شركات النقل والطيران.
الخبراء يرسمون سيناريوهات متضاربة: إما توحيد عاجل للسياسات النقدية خلال الأشهر القادمة، أو انقسام اقتصادي كامل قد يؤدي لولادة عملتين مختلفتين فعلياً. المضاربون الأذكياء يرون فرصة ذهبية، لكن الخطر على المدخرات الصغيرة يتزايد يومياً. هل سيشهد اليمن تحول أحلام الوحدة الاقتصادية إلى كابوس انقسام دائم؟ وماذا سيحدث لمدخرات الملايين من اليمنيين المحاصرين في هذا الجحيم الاقتصادي؟