في تطور صادم يتحدى كل التوقعات الاقتصادية، يحافظ الريال اليمني على استقرار مذهل لأكثر من 100 يوم متتالي دون أي تغيير في أسعار الصرف، محققاً بذلك إنجازاً نادراً في زمن تتهاوى فيه العملات العربية تحت وطأة الأزمات. في أرض تعصف بها رياح الحروب والاضطرابات، تقف العملة اليمنية شامخة كالجبل الراسخ، متحدية بذلك كل قوانين الاقتصاد التقليدية التي تتنبأ بانهيار العملات في أوقات الأزمات.
وفقاً لآخر البيانات المصرفية من العاصمة عدن، يتداول الدولار الأمريكي عند مستوى 1617 ريال للشراء و1630 ريال للبيع، بينما يسجل الريال السعودي 425 ريال للشراء و428 ريال للبيع. "هذا الاستقرار إنجاز حقيقي في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها"، يؤكد الدكتور أحمد المصرفي، الخبير الاقتصادي، مضيفاً أن هذا الثبات يعكس نجاح السياسات النقدية للبنك المركزي بعدن. أم محمد، ربة منزل تنتظر تحويلة من زوجها المغترب، تتنفس الصعداء قائلة: "أول مرة منذ سنوات أقدر أخطط لمصروفات البيت بدون خوف من تغير الأسعار".
يأتي هذا الاستقرار المذهل في ظل واقع اقتصادي قاسٍ، حيث يعاني اليمن من أسوأ أزمة إنسانية واقتصادية في تاريخه الحديث منذ اندلاع الصراع المسلح. آخر فترة شهد فيها الريال اليمني استقراراً مماثلاً كانت قبل عام 2014، عندما كان الاقتصاد في وضع مختلف تماماً. الخبراء يرجعون هذا الثبات الاستثنائي إلى السياسات الحكيمة للبنك المركزي وتوفر العملة الأجنبية في السوق، مع تحسن نسبي في الاستقرار السياسي بالمناطق المحررة. محمد التاجر، الذي يتابع أسعار الصرف يومياً منذ عقود، يعلق بدهشة: "أول مرة أشوف الأسعار ثابتة كذا فترة طويلة، حتى لوحات الأسعار ما غيرناها من 3 شهور".
هذا الاستقرار النقدي بدأ يترك بصمته الإيجابية على الحياة اليومية للمواطنين، حيث تستطيع ربات البيوت أخيراً التخطيط لمشترياتهن الأسبوعية بثقة أكبر، بينما يتمكن التجار من وضع استراتيجيات تسعير ثابتة لسلعهم. أبو سالم، صراف في الأسواق الشعبية، يشهد على التغيير: "الناس بدأت تثق أكثر في التعامل، والخوف من تقلبات الأسعار قل كثير". لكن رغم هذه البشائر، يحذر الخبراء من أن فارق 13 ريالاً بين سعري الشراء والبيع للدولار الواحد لا يزال يشكل عبئاً على المواطنين، خاصة العمال المغتربين الذين يرسلون تحويلات لعائلاتهم. التوقعات تشير إلى استمرار هذا الاستقرار النسبي مع تذبذبات طفيفة، شريطة الحفاظ على السياسات النقدية الحالية وعدم حدوث تطورات عسكرية مفاجئة.
في النهاية، يقف الريال اليمني اليوم شاهداً على قدرة الشعوب على الصمود وتحدي أقسى الظروف. هذا الاستقرار الذي دام لأكثر من ثلاثة أشهر ليس مجرد رقم اقتصادي، بل رمز للأمل في غد أفضل. النصيحة الذهبية للمواطنين: استغلوا هذه الفترة الاستثنائية في التخطيط المالي السليم وبناء احتياطيات صغيرة. لكن السؤال الذي يؤرق الجميع يبقى: هل ستستمر هذه المعجزة الاقتصادية في أرض تعودت على المآسي، أم أن العواصف الاقتصادية الجديدة ستجرف معها هذا الإنجاز النادر؟