في مبادرة إنسانية استثنائية تكسر كل المفاهيم التقليدية حول العطاء، أقدم جندي يمني يخدم في اللواء الأول حماية رئاسية على تخفيض إيجار منزله بنسبة 40%، متنازلاً عن مبلغ يقدر بأربعين ألف ريال شهرياً رغم اعتماده على راتب عسكري محدود كمصدر دخل وحيد.
حلمي السعدي، مالك المنزل في حي العريش بمديرية خور مكسر بعدن، اتخذ قراراً جريئاً بتقليل قيمة الإيجار الشهري من مئة ألف ريال يمني إلى ستين ألف ريال فقط، في خطوة تعكس عمق الضمير الإنساني وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد.
ما يجعل هذه المبادرة أكثر إثارة للإعجاب أن صاحبها لا ينتمي لطبقة الأثرياء أو أصحاب الأعمال الكبيرة، بل هو جندي بسيط يعيش على راتب عسكري متواضع في ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها الجميع. هذا التناقض الإيجابي بين محدودية الموارد وكرم العطاء يرسم صورة نادرة للكرم الحقيقي الذي لا يقاس بحجم الثروة بل بنبل الروح.
لم يكتف السعدي بهذا الموقف النبيل، بل وجه دعوة صادقة وحارة إلى جميع ملاك العقارات في عدن وخارجها لتبني نفس النهج، مؤكداً أن التكافل الاجتماعي يمثل الترياق الوحيد للخروج من الأزمات الحالية. "العظمة لا تُقاس بالممتلكات، بل بالمواقف"، هكذا لخص السعدي فلسفته في الحياة، مقدماً درساً عملياً في القيم الإنسانية الأصيلة.
تأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه اليمن تدهوراً حاداً في الأوضاع الاقتصادية، حيث يواجه المواطنون صعوبات جمة في تأمين متطلبات الحياة الأساسية، فيما تستمر أسعار الإيجارات في الارتفاع بما يتناسب عكسياً مع القدرة الشرائية المتراجعة للأسر اليمنية. في هذا السياق، تبرز قيمة المبادرة كشعاع أمل وسط العتمة الاقتصادية السائدة.
إن المعنى العميق لهذه البادرة يتجاوز البعد المالي المباشر ليصل إلى مستوى الرسالة الأخلاقية والاجتماعية، حيث تمثل دعوة حية للتراحم والتعاون في مواجهة التحديات الجماعية. كما تشكل تحدياً حقيقياً للمفاهيم السائدة حول العمل الخيري والعطاء، مؤكدة أن الكرم الحقيقي ينبع من القلب وليس من حجم الحساب البنكي.
المبادرة التي انطلقت من حي العريش في خور مكسر تحمل في طياتها دعوة للتأمل في قيم التضامن المجتمعي، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مسؤولية الأفراد تجاه بعضهم البعض في أوقات الشدة. كما تقدم نموذجاً عملياً يمكن تطبيقه على نطاق أوسع لتخفيف وطأة الأزمة على شرائح واسعة من المجتمع اليمني.
في النهاية، تبقى قصة الجندي حلمي السعدي شاهداً على أن الخير لا يزال موجوداً رغم قساوة الظروف، وأن المبادرات الفردية البسيطة قادرة على إحداث تأثير إيجابي كبير عندما تنطلق من إيمان صادق بقيم التعاون والتراحم الإنساني.