وسط الأزقة شبه المظلمة في مديرية المنصورة بعدن، بدأت تظهر أسلاك كهربائية جديدة تمتد من منزل إلى آخر، لتعلن عن ولادة ظاهرة باتت تثير مخاوف سكان العاصمة المؤقتة: الكهرباء التجارية.
فبينما يعاني المواطنون من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي الحكومي، وجد بعض التجار فرصة استثمارية في أزمة السكان، ليبدأوا مشاريع خاصة لبيع الكهرباء دون رقابة فنية أو تنظيم رسمي، الأمر الذي أثار قلقاً حقيقياً من تداعيات هذه الظاهرة على مستقبل خدمة الكهرباء الحكومية في المدينة.
التوسع السريع للكهرباء التجارية:
أكد العديد من سكان المنصورة أن أحد التجار شرع مؤخراً في تدشين مشروع خاص لبيع الكهرباء يغطي عدة أحياء في المديرية.
وأوضح الأهالي أن هذا المشروع يعتمد على تركيب شبكة كهربائية خاصة تصل إلى منازل المشتركين مقابل رسوم شهرية يدفعها المواطنون، الذين يرون فيها حلاً مؤقتاً لساعات الظلام الطويلة التي تفرضها انقطاعات الكهرباء الحكومية المتكررة.
ويشير المواطنون إلى أن غياب الرؤية الحكومية الواضحة لمعالجة أزمة الكهرباء المستمرة قد فتح الباب على مصراعيه أمام انتشار مثل هذه المشاريع التجارية بسرعة كبيرة.
وتتزايد أعداد المشتركين في هذه الخدمات البديلة يوماً بعد يوم، بحثاً عن حل لمشكلتهم المزمنة، خصوصاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة في المدينة الساحلية، وحاجة السكان الماسة للكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف والتبريد.
التأثير على الكهرباء الحكومية:
تكمن خطورة توسع مشاريع الكهرباء التجارية في تأثيرها السلبي المباشر على مستقبل الكهرباء الحكومية.
فكلما زاد عدد المشتركين في الخدمات البديلة، انخفض الطلب على الكهرباء الرسمية، مما يؤدي إلى تراجع الإيرادات التي تحصلها المؤسسة العامة للكهرباء، وبالتالي إضعاف قدرتها التشغيلية والمالية.
وقد حذر بعض المواطنين من أن هذا الوضع قد يقود في نهاية المطاف إلى انهيار المنظومة الكهربائية الحكومية بشكل كامل.
ولا يقتصر الأمر على الجانب المالي فقط، بل يتعداه إلى المخاطر الفنية المحتملة.
فوفقاً لما أفاد به بعض السكان، فإن معظم هذه المشاريع التجارية لا تخضع للمعايير الفنية والسلامة العامة، مما يجعلها مصدراً للعديد من المخاطر، كالتماس الكهربائي والحرائق وغيرها من الحوادث التي قد تهدد حياة المواطنين وممتلكاتهم، خاصة أن الأسلاك الكهربائية غالباً ما تمتد عشوائياً وبدون إشراف هندسي مناسب.
الحلول والضوابط المقترحة:
يطالب سكان المنصورة وعموم مدينة عدن بضرورة تدخل الجهات المختصة بشكل عاجل لوضع ضوابط واضحة تنظم عمل مشاريع الكهرباء التجارية.
وتشمل هذه الضوابط المقترحة تحديد أسعار عادلة للخدمة، وإلزام أصحاب هذه المشاريع بتطبيق معايير السلامة والأمان الفنية، وإخضاعها للرقابة الدورية، بالإضافة إلى تنظيم العلاقة بينها وبين المؤسسة العامة للكهرباء بما يضمن عدم تضرر الأخيرة.
بالتوازي مع ذلك، يشدد المواطنون على ضرورة أن تتخذ الحكومة خطوات جادة لإنقاذ الكهرباء الحكومية من التلاشي، من خلال تطوير البنية التحتية وتحديثها، وزيادة القدرة الإنتاجية لمحطات التوليد، وتحسين كفاءة الشبكة، والقضاء على الفساد داخل مؤسسة الكهرباء.
كما اقترح بعض الأهالي إمكانية الاستفادة من تجربة القطاع الخاص في توليد الكهرباء، من خلال شراكة حقيقية تضمن استمرار الخدمة الأساسية وتحسينها، بدلاً من تركها للعشوائية.
وتبقى ظاهرة الكهرباء التجارية مؤشراً واضحاً على فشل الحلول الحكومية في معالجة أزمة الكهرباء المزمنة في عدن.
ومع استمرار غياب استراتيجية واضحة للإصلاح، قد تتحول هذه البدائل من حلول مؤقتة إلى واقع دائم، يهدد بتحويل خدمة أساسية كالكهرباء إلى سلعة تجارية تخضع لقانون العرض والطلب، بعيداً عن مسؤولية الدولة في توفيرها للمواطنين بأسعار مناسبة وجودة عالية.
الأمر الذي يستدعي تدخلاً حكومياً سريعاً قبل فوات الأوان، وقبل أن تفقد المؤسسة العامة للكهرباء ما تبقى لها من مكانة في حياة سكان العاصمة المؤقتة.