الرئيسية / مال وأعمال / مفارقة مذهلة: الريال اليمني ينهار بنسبة 51% في عدن بينما يستقر في صنعاء - تحليل اقتصادي للحرب المالية !
مفارقة مذهلة: الريال اليمني ينهار بنسبة 51% في عدن بينما يستقر في صنعاء - تحليل اقتصادي للحرب المالية !

مفارقة مذهلة: الريال اليمني ينهار بنسبة 51% في عدن بينما يستقر في صنعاء - تحليل اقتصادي للحرب المالية !

نشر: verified icon مروان الظفاري 19 أغسطس 2025 الساعة 04:40 مساءاً

تشهد العملة اليمنية انقساماً حاداً يعكس تعقيدات الحرب الدائرة في البلاد، حيث انهار الريال اليمني بنسبة 51% في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً خلال عام واحد، بينما استمر في الاستقرار النسبي في مناطق سيطرة الحوثيين، ما يكشف عن استراتيجيات اقتصادية متباينة تحكم هذا الصراع المالي المعقد.

ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي من 1890 ريالاً في يوليو 2024 إلى 2865 ريالاً في يوليو 2025 في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، مقابل تراجع طفيف في مناطق الحوثيين من 524 إلى 534 ريالاً للدولار الواحد خلال الفترة ذاتها. هذا التباين الصارخ يظهر كيف تؤثر السياسات النقدية المختلفة والضوابط الاقتصادية على استقرار العملة في ظل الانقسام السياسي.

وفي محاولة لوقف هذا التدهور المستمر، اتخذ البنك المركزي في صنعاء إجراءات صارمة ضد البنوك وشركات الصرافة التي تتعامل مع ما وصفها بـ"الجهات في المناطق المحتلة". أصدر البنك تعميماً منع فيه البنوك وشركات الصرافة من تقديم طلبات للحصول على موافقات مصرفية لتحويل قيمة السلع الواردة إلى مناطق سيطرة الجماعة، مهدداً بإجراءات قانونية ضد المخالفين.

جاءت هذه التطورات بعد أن وافقت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات في اليمن على 91 طلباً للمصارفة والتغطية الخارجية للواردات السلعية بقيمة إجمالية بلغت حوالي 39.7 مليون دولار أمريكي، خلال الفترة من 10 إلى 14 أغسطس 2025. هذه الخطوة تأتي ضمن جهود الحكومة المعترف بها دولياً لاستقبال طلبات رجال الأعمال والشركات التجارية، بهدف تنظيم عمليات الاستيراد وتوفير العملة الأجنبية بشكل منظم.

وتكشف هذه المفارقة عن استراتيجيات متضادة في إدارة الأزمة الاقتصادية. ففي حين تعتمد سلطات الحوثيين على الضوابط الصارمة والإجراءات القمعية ضد شركات الصرافة للحفاظ على استقرار العملة، تواجه الحكومة الشرعية تحديات أكبر في السيطرة على المضاربة والتلاعب بأسعار الصرف.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الإجراءات الحكومية الأخيرة في عدن، والتي شملت سحب تراخيص 23 شركة صرافة مخالفة بين 29 يوليو و6 أغسطس 2025، بدأت تظهر نتائج إيجابية. تولت قوات مكافحة الإرهاب تنفيذ هذه القرارات بإغلاق مقرات الشركات المخالفة، ما أدى إلى تحسن نسبي في قيمة الريال من 2800 ريال إلى 1630 ريالاً للدولار الواحد خلال أسبوع واحد.

وتتجاوز تداعيات هذا الانقسام النقدي الأرقام المجردة لتطال الحياة اليومية للمواطنين. فبينما قد تبدو الأرقام في مناطق الحوثيين أكثر استقراراً، إلا أن القيمة الشرائية الفعلية للريال تظهر تحديات مختلفة، حيث تشير مقارنات الأسعار إلى أن بعض السلع الغذائية والدوائية أصبحت أغلى في مناطق سيطرة الحوثيين مقارنة بمناطق الحكومة عند احتساب القيمة بالدولار أو الريال السعودي.

وفي السياق الإقليمي، تواجه جماعة الحوثيين ضغوطاً مالية متزايدة نتيجة الإجراءات الدولية المنسقة. فقد فقدت الجماعة مبالغ مالية ضخمة كانت مودعة في مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لحزب الله في لبنان، بعد قرار البنك المركزي اللبناني حظر نشاط المؤسسة. كما تلقت ضربات مالية من بنك الرافدين العراقي الحكومي، الذي طالبت واشنطن الحكومة العراقية بإغلاق فرعه في صنعاء.

وتعمل الولايات المتحدة عبر لجنة من الخبراء الماليين من الخزانة الأمريكية مع الحكومة اليمنية في عدن على تنفيذ إصلاحات مالية شاملة لتجفيف منابع تمويل الحوثيين. هذه الإصلاحات تشمل قرارات مركزي عدن الجديدة التي تهدف إلى وقف عمليات المضاربة التي كانت تؤدي لانهيار العملة المحلية، والتي كان يستغلها الحوثيون عبر فارق الصرف والتحويلات بين مناطق الشرعية ومناطق سيطرتهم.

ويشير وزير الخارجية اليمني الدكتور شائع الزنداني إلى أن التحسن الأخير في سعر صرف العملة المحلية يرتبط بحالة الانسجام بين مؤسسات الدولة، والإجراءات الصارمة المتخذة من البنك المركزي ضد المضاربين. ويؤكد أن "الانسجام بين مؤسسات الدولة، وعدم وجود تعارضات أو حسابات مختلفة، جعل الجميع يضع إنهاء هذه المشكلة هدفاً أولوياً".

وفي هذا الصدد، تكشف المواجهة بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن عن تعميم البنوك اليمنية المتضارب، حيث يمنع كل طرف التعامل مع الآخر، ما يعمق الانقسام الاقتصادي ويزيد من معاناة المواطنين الذين يضطرون للتعامل مع نظامين نقديين منفصلين تماماً.

وتشير المصادر المالية إلى أن عصابة الحوثي تواجه "انكشافاً مالياً مروعاً" مع تشديد الإجراءات الدولية والأمريكية عليها بالتنسيق مع دول إقليمية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. هذا الوضع يضع أمام الجماعة خيارين صعبين: إما الخضوع لمبادرات السلام بالتحول إلى كيان سياسي يمني وتسليم سلاحها، أو خوض حرب شاملة دون تمويل مع الحكومة الشرعية والمجتمعين الإقليمي والدولي.

وتتابع الحكومة اليمنية مصادر طباعة العملة التي يستخدمها الحوثيون، سواء عبر آلات بحوزتهم أو في دول أخرى، وفق ما أكده وزير الخارجية الذي أشار إلى وجود "مؤشرات على أماكن الطباعة"، مؤكداً أن الحكومة ستتواصل مع هذه الدول مباشرة لوقف هذه الممارسات غير القانونية.

وفي ظل هذه التطورات، تواصل العصابة الحوثية ممارساتها في تضييق الخناق على سكان مناطقها بفرض مزيد من الجبايات والرسوم لتمويل بقائها واحتفالاتها الطائفية وممارساتها الإرهابية، ما يضع المواطنين في هذه المناطق تحت ضغط مزدوج من التدهور الاقتصادي العام والابتزاز المالي المحلي.

وتكشف هذه المفارقة المذهلة في أداء العملة اليمنية عن حقيقة مفادها أن الحرب الاقتصادية لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية في تحديد مصير الصراع اليمني، وأن السيطرة على الأدوات المالية والنقدية قد تكون العامل الحاسم في تحديد المنتصر في هذا الصراع المطول، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية وتضافر الجهود الإقليمية لتجفيف منابع التمويل غير المشروع.

شارك الخبر