تشهد أسواق الذهب في اليمن ظاهرة اقتصادية صادمة تتمثل في فجوة سعرية ضخمة تتجاوز 300% بين العاصمة صنعاء ومدينة عدن، حيث يسجل سعر جرام الذهب عيار 21 في عدن أكثر من ثلاثة أضعاف سعره في صنعاء، مما يضع المستثمرين والمواطنين أمام واقع استثنائي يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ووفقاً لآخر البيانات المتاحة ليوم الإثنين 18 أغسطس 2025، يبلغ سعر شراء جرام الذهب عيار 21 في صنعاء 49,300 ريال، فيما يقفز هذا الرقم ليصل إلى 151,800 ريال في عدن. أما بالنسبة لأسعار البيع، فتصل إلى 52,500 ريال في صنعاء مقابل 160,950 ريال في عدن، محققة بذلك فارقاً يبلغ حوالي 208% في أسعار البيع.
الصورة تصبح أكثر وضوحاً عند النظر إلى أسعار جنيه الذهب، حيث يتراوح سعر الشراء في صنعاء حول 396,000 ريال، بينما يصل في عدن إلى 1,214,500 ريال، أي أكثر من ثلاثة أضعاف. وترتفع أسعار البيع لتسجل 399,000 ريال في صنعاء مقابل 1,287,600 ريال في عدن، مما يؤكد نمطاً ثابتاً في التفاوت السعري عبر جميع فئات الذهب.
يكمن التفسير الرئيسي لهذه الفجوة الاستثنائية في الاختلاف الجذري بأسعار صرف الريال اليمني بين المنطقتين. فسعر الدولار الأمريكي في صنعاء يتراوح بين 535-540 ريال، فيما يقفز في عدن ليصل إلى 1617-1632 ريال، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قيمته في صنعاء. هذا التباين في أسعار الصرف ينعكس مباشرة على قيمة الذهب بالعملة المحلية، نظراً لأن الذهب يُتاجر به عالمياً بالدولار.
العامل الثاني المؤثر يتمثل في تكاليف النقل والتأمين والمخاطر الأمنية المرتبطة بحركة التجارة بين المحافظتين. هذه التكاليف الإضافية تنعكس على الأسعار النهائية، خاصة في ظل الظروف الأمنية المعقدة التي تشهدها البلاد والتي تزيد من صعوبة وتكلفة عمليات النقل التجاري.
بالإضافة إلى ذلك، تختلف القوة الشرائية ومستويات الدخل بين سكان المنطقتين، مما يؤثر على حجم الطلب والعرض في كل سوق. فبينما تشهد صنعاء طلباً محدوداً يتناسب مع الدخول المنخفضة، تسجل عدن طلباً أعلى من فئات اقتصادية متنوعة، مما يساهم في تشكيل بيئة سعرية مختلفة.
يشهد عيار 24، الأعلى نقاوة، نفس النمط المثير للاهتمام، حيث يبلغ سعر الشراء في صنعاء حوالي 56,500 ريال مقابل 173,000 ريال في عدن، بينما تصل أسعار البيع إلى 58,500 ريال في صنعاء و183,000 ريال في عدن. كما يسجل عيار 18 أسعاراً تبدأ من 40,000 ريال في صنعاء لتصل إلى 129,000 ريال في عدن، مما يؤكد شمولية التفاوت السعري عبر كافة العيارات.
هذا التفاوت الجذري يخلق فرصاً استثمارية متباينة للمتعاملين في السوق. فالمستثمرون الصغار وذوو الدخل المحدود يجدون في أسواق صنعاء فرصة للحصول على الذهب بأسعار أقل نسبياً، بينما تمثل أسواق عدن خياراً للمستثمرين الكبار الذين يسعون للاستفادة من التقلبات السعرية على المدى الطويل، خاصة في حال توقعوا تحسناً مستقبلياً في سعر الصرف.
على الصعيد العالمي، تشير البيانات إلى أن متوسط سعر الأونصة الذهبية يبلغ حوالي 3,339.40 دولار، وهو ما يعادل تقريباً 801,160 ريال حسب متوسط أسعار الصرف في السوق اليمني. هذا المرجع العالمي يساعد في فهم التموضع النسبي لأسعار الذهب المحلية ومدى تأثرها بالعوامل الداخلية.
رغم الفجوة الكبيرة بين المدينتين، تشهد الأسواق استقراراً نسبياً في التذبذبات اليومية، حيث سجلت بعض المصادر تراجعاً طفيفاً في الأسعار خلال الأيام الماضية دون تغيير جوهري في النمط العام للتفاوت. هذا الاستقرار النسبي يوفر بيئة أكثر قابلية للتنبؤ بالنسبة للمستثمرين الذين يخططون لصفقات متوسطة وطويلة المدى.
تتطلب هذه الظاهرة الاقتصادية الاستثنائية من المتعاملين في السوق اعتماد استراتيجيات مرنة تأخذ في الاعتبار التفاوتات الجغرافية والاقتصادية. فالمستثمر الناجح في هذه البيئة هو من يستطيع فهم ديناميكيات كل سوق على حدة والاستفادة من الفروقات لتحقيق أفضل العوائد، سواء من خلال التوقيت المناسب للمعاملات أو اختيار المنطقة الأنسب حسب الأهداف الاستثمارية والإمكانيات المالية المتاحة.