في مشهد يثير الصدمة والألم، يعيش 30 مليون يمني في ظلام دامس منذ عقد كامل، بينما يضطرون الآن لدفع 1000 ريال سعودي شهرياً - أكثر من راتب موظف كامل - للحصول على الكهرباء من شركات تجارية ترفضها الحكومة وتصفها بـ"غير القانونية". في عدن، عادت المقاهي لاستخدام الشموع ليس رومانسية، بل ضرورة للبقاء، بينما تشتعل معركة خفية بين الحاجة الماسة للطاقة والرفض الرسمي للحلول الشعبية.
وسط هذه الكارثة الإنسانية، تنتشر منظومات الكهرباء التجارية كالنار في الهشيم من صنعاء إلى عدن والمحافظات الجنوبية، رغم التحذيرات الحكومية المتكررة. محمد العدني، صاحب مقهى في عدن، يروي مأساته: "زبائني يحبون أجواء الشموع، لكن في الحقيقة لا خيار لدينا"، بينما تكشف الوثائق عن عقود تتطلب دفعات بين 500-1000 ريال سعودي لاستخدام عدادات مسبقة الدفع. المحلل الاقتصادي عبدالرحمن أنيس يؤكد: "هذه الشركات تستهدف المحال التجارية حالياً، والتوسع للمنازل مسألة وقت فقط."
الجذور العميقة لهذه الأزمة تمتد إلى سنوات الحرب المدمرة التي شلت البنية التحتية وأوقفت المحطة الغازية الرئيسية التي كانت تغذي ملايين اليمنيين. ما بدأ كتجربة محدودة في صنعاء، تحول إلى ثورة طاقوية صامتة تتحدى السلطات العاجزة. وزارة الكهرباء والطاقة تقف في موقف محرج، ترفض الحلول الشعبية وتصفها بـ"العمل غير القانوني"، بينما تعجز تماماً عن تقديم البديل، تاركة المواطنين في ظلام دامس يشبه "عصراً ما قبل الكهرباء في القرن الحادي والعشرين".
التأثير المدمر يطال كل جوانب الحياة اليومية، حيث تضطر أم محمد، الأرملة الخمسينية، لشراء الشموع يومياً من راتب ابنها المتواضع، بينما تنتشر منظومات الطاقة الشمسية في الأحياء الراقية وتبقى المناطق الشعبية تعتمد على "الكشافات والفوانيس". الخبراء يحذرون من تحول الكهرباء إلى سلعة كمالية، بينما يحذو المبدعون حذو المهندس أحمد السالم الذي طور نظام طاقة شمسية بتكلفة منخفضة لحيه الشعبي. أصوات المولدات الصغيرة تملأ الليل، وأضواء الشموع المتراقصة تحكي قصة صمود شعب رفض الاستسلام للظلام.
بينما تتصارع الحكومات على الشرعية والقوانين، يواجه ملايين اليمنيين ليلة أخرى بلا كهرباء، في دولة تحولت من منتج للطاقة إلى مستورد للشموع. المستقبل يحمل خيارات صعبة: إما قبول واقع الكهرباء كسلعة تجارية باهظة، أو المراهنة على معجزة إعادة بناء شبكة وطنية منهارة. السؤال المؤلم يبقى معلقاً: هل سيصبح الضوء في اليمن امتيازاً لمن يستطيع دفع الثمن؟