في تطور صادم يعيد تشكيل خريطة الوظيفة العامة في اليمن، كشفت وزارة الخدمة المدنية عن فضيحة مدوية تضم 4,600 موظف يتقاضون رواتب دون استحقاق حقيقي - رقم يعادل تعداد مدينة صغيرة بأكملها. الحقيقة المذهلة: موظف واحد يحصل على ثلاثة رواتب من جهات مختلفة بينما مواطن آخر لا يجد قوت يومه. الساعة تدق بقوة: 30 يوماً فقط تفصل آلاف الأسر عن شبح انقطاع الراتب الوحيد في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف باليمن.
تشن وزارة الخدمة المدنية في عدن حرباً ضارية على الفساد الإداري المستشري، حيث أعلنت توقيف رواتب 3,300 موظف مدني و1,300 موظف أمني متهمين بالازدواج الوظيفي. الأرقام تحكي قصة مرعبة: سبع محافظات تحت المجهر، وآلاف الملفات تكشف شبكة معقدة من الفساد. "سيتم إيقاف صرف مرتباتهم نهائياً في حال عدم حضورهم للمطابقة خلال ديسمبر" - تحذير صارخ يردده مسؤولو الوزارة. أم محمد، موظفة في تربية تعز، تروي خوفها: "راتبي الوحيد لإعالة أطفالي الثلاثة، لا أعرف ماذا سأفعل إذا توقف".
خلف هذه العملية الجراحية تقف سنوات من الحرب التي فتحت المجال أمام الفساد ليستشري في أجهزة الدولة كالسرطان الذي ينهش الخلايا السليمة. الحاجة الماسة لموارد مالية، والضغط الدولي المتزايد للشفافية، دفعا الحكومة لاتخاذ هذه الخطوة الجذرية. د. سعد الاقتصادي، خبير الإدارة العامة، يؤكد: "مثل عمليات التطهير الإداري في سنغافورة في الستينات التي حولتها لنمر اقتصادي، هذه بداية الإصلاح الحقيقي لإنقاذ الدولة من الانهيار". لكن آخرين يحذرون من احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية قد تهدد الاستقرار الهش.
في بيوت متناثرة عبر المحافظات السبع، تعيش عائلات بأكملها في رعب الساعات الأخيرة قبل انقطاع الراتب الذي قد يعني جوع الأطفال وانقطاعهم عن المدارس. عبدالله المراجع، موظف شاهد زملاءه يحصلون على رواتب مزدوجة لسنوات، يقول بغضب: "أخيراً جاء يوم الحساب، لكن المؤلم أن الشرفاء قد يدفعون الثمن أيضاً". النتائج المتوقعة مزدوجة: توفير مليارات الريالات وتحسن الخدمات الحكومية، لكن مع معاناة اجتماعية مؤقتة قد تهز الاستقرار. الفرصة ذهبية للإصلاح، لكن الخطر محدق أيضاً من احتمال المقاومة العنيفة للمتضررين.
في نهاية المطاف، تقف اليمن أمام مفترق طرق تاريخي: 4,600 موظف مزدوج، 30 يوماً مهلة أخيرة، وعملية إصلاح قد تحدد مصير الدولة للعقود القادمة. الخيارات واضحة: إما نجاح باهر يحول اليمن لنموذج في محاربة الفساد، أو فشل ذريع يغرق البلاد أعمق في مستنقع الانهيار. على المواطنين الشرفاء دعم هذا التطهير التاريخي، وعلى الموظفين المشبوهين المسارعة للمراجعة. السؤال الذي يحبس الأنفاس: هل ستنجح اليمن في كسر دائرة الفساد المميتة أم ستغرق أعمق في المستنقع الذي قد يبتلع آخر بقايا الدولة؟