تكشف الأرقام الاقتصادية الصادمة عن فارق صرف يتجاوز الألف ريال بين مناطق اليمن المختلفة، حيث يتداول الدولار الأمريكي بـ1633 ريالاً في عدن مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء، مما يعكس انقساماً اقتصادياً حاداً يعيد تشكيل الخريطة المالية لبلد واحد منقسم بين سلطتين وعملتين.
يواجه المواطنون اليمنيون واقعاً مؤلماً يتمثل في العيش داخل اقتصادين منفصلين، حيث تختلف القوة الشرائية لنفس المبلغ النقدي بشكل جذري اعتماداً على الموقع الجغرافي. هذا التباين الصارخ لا يقتصر على الدولار فحسب، بل يمتد ليشمل الريال السعودي الذي يتداول بـ428 ريالاً يمنياً في المناطق الحكومية مقابل 140.5 ريالاً في المناطق الأخرى.
تشير البيانات الاقتصادية إلى أن الريال اليمني فقد نحو 50% من قيمته خلال الفترة بين 2023 و2025، حيث تراوح سعر الصرف في المناطق الحكومية بين 1000-1200 ريال للدولار عام 2023، بينما وصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 2900 ريال في يوليو الماضي قبل أن يستقر عند المستويات الحالية. هذا التقلب الحاد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالانقسام السياسي والإداري للبلاد.
تؤثر هذه الفجوة الاقتصادية بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، حيث تتطلب عملية شراء سلعة بقيمة دولار واحد في المناطق الحكومية دفع أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب في المناطق الأخرى. أحمد المواجه، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، يعبر عن هذه المعاناة قائلاً: "نعيش على الدين منذ شهرين، أطفالي يسألونني متى سنشتري احتياجات المنزل وأنا عاجز عن الإجابة".
رغم الجهود التي بذلها البنك المركزي اليمني في عدن لتحقيق استقرار نسبي، إلا أن الحكومة اليمنية تواجه أزمة مالية خانقة انعكست على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها. لم تُصرف رواتب القوات المسلحة منذ يونيو الماضي، بينما لم يتسلم موظفو الخدمة المدنية رواتبهم منذ يوليو، وفقاً لتقرير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
تلعب السياسات النقدية المختلفة دوراً محورياً في تعميق هذه الفجوة، حيث تتبع السلطات في كل منطقة استراتيجيات متباينة لإدارة العملة والنظام المصرفي. كشف تقرير فريق الخبراء المعني باليمن والمقدم إلى مجلس الأمن الدولي عن سياسة ممنهجة لتدمير القطاع المصرفي عبر مصادرة البنوك والمؤسسات المالية، حيث أشار التقرير إلى أن وكالة 2 ديسمبر اطلعت على تفاصيل هذه الممارسات المدمرة للاقتصاد.
انعكس التحسن النسبي للعملة في المناطق الحكومية على أسعار السلع، حيث انخفضت أسعار المواد الغذائية والوقود بنسب تراوحت بين 20% و40%، مما خفف جزئياً من العبء المعيشي. ومع ذلك، يشير برنامج الأغذية العالمي إلى استمرار هشاشة الوضع الغذائي، حيث لا تحصل 62% من الأسر اليمنية على كفايتها من الغذاء.
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الحمادي أن "ما نشهده اليوم هو انعكاس لأزمة هيكلية عميقة، والحلول المؤقتة لن تجدي نفعاً طويلاً". هذا التصريح يلخص طبيعة التحدي الذي يواجه اليمن، حيث تتطلب معالجة فارق الصرف حلولاً جذرية تتجاوز الإجراءات الفنية لتشمل توحيد السياسات النقدية والمالية.
تظل أسعار الصرف الحالية مستقرة نسبياً منذ أكثر من شهرين، حيث تشير البيانات الأخيرة إلى أن الدولار يتداول بين 1618-1633 ريالاً في عدن، بينما يحافظ على استقراره عند مستويات 535-540 ريالاً في صنعاء، وفقاً لما نشرته نافذة اليمن. هذا الاستقرار النسبي لا يخفي حقيقة أن اليمنيين يعيشون فعلياً في بلد بعملتين ومصيرين اقتصاديين مختلفين تماماً.
يبقى السؤال المحوري: كيف يمكن لدولة واحدة أن تحافظ على وحدتها الاقتصادية في ظل هذا التفاوت الصارخ؟ الإجابة تكمن في ضرورة إعادة توحيد السياسات النقدية والمالية، وهو ما يتطلب حلولاً سياسية شاملة تتجاوز الإجراءات التقنية لتشمل بناء إجماع وطني حول إدارة الاقتصاد وتوزيع الثروات.