في مشهد يبدو كأنه من عالم مواز، يدفع مواطن في عدن 200 ألف ريال يمني لشراء جرام ذهب واحد عيار 21، بينما يحصل على نفس الجرام في صنعاء بـ 51,500 ريال فقط! هذه ليست أرقاماً خيالية، بل واقع مؤلم يعيشه اليمنيون اليوم، حيث تشطر الحرب بلدهم إلى اقتصادين منفصلين تماماً. فجوة سعرية تصل إلى 288% تجعل شراء الذهب في عدن أشبه بشرائه من كوكب آخر، والوقت ينفد أمام العائلات التي تحلم بقطعة ذهب بسيطة لمناسباتها.
الأرقام المرعبة تكشف عمق الكارثة الاقتصادية: جرام الذهب عيار 21 يُباع في عدن بـ 200,000 ريال، مقابل 51,500 ريال في صنعاء - فرق يبلغ 150,000 ريال لنفس القطعة! فاطمة أحمد، ربة بيت من عدن، تحكي بحسرة: "كنت أحلم بشراء خاتم لابنتي لخطوبتها، لكن عندما علمت أن نفس الخاتم في صنعاء يكلف ربع السعر، شعرت بالظلم". أحمد الصائغ، صاحب محل في عدن، يؤكد: "الزبائن يصدمون عندما يعلمون بفروق الأسعار، والبعض يلغي مشترياته تماماً".
جذور هذا التباين الصارخ تعود للانقسام السياسي والاقتصادي المدمر الذي يشهده اليمن منذ سنوات. اختلاف أسعار الصرف بين المناطق، وانقطاع خطوط التجارة، وسيطرة قوى مختلفة على المدن، حولت اليمن إلى أشبه ما يكون بألمانيا المقسمة في حقبة الحرب الباردة. د. عبدالرحمن السلامي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذا التباين مؤشر خطير على تفكك النسيج الاقتصادي اليمني، وقد يستغرق عقوداً لإعادة توحيده". محمد الصنعاني، التاجر الذكي، استطاع الاستفادة من هذه الفروق رغم المخاطر الأمنية الهائلة.
الواقع المرير يضرب الحياة اليومية للمواطنين بقسوة غير مسبوقة. عروس في عدن تحتاج إلى 800,000 ريال لشراء طقم ذهب متواضع، بينما تكلفها نفس القطع 200,000 ريال في صنعاء. العائلات تؤجل الزفاف، والتجار يخاطرون بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر لنقل الذهب بين المدن. بريق الذهب خلف واجهات المحلات يخفي واقعاً مؤلماً: شعب واحد يعيش في اقتصادين منفصلين، وأحلام بسيطة تتحطم على صخرة الأسعار الجنونية. الغضب يتصاعد في عدن، بينما الاستفادة محدودة في صنعاء، والقلق الإقليمي يتزايد من هذا المؤشر الخطير.
هذه الأرقام اللاإنسانية تعكس واقعاً مؤلماً لشعب واحد محكوم عليه بالعيش في اقتصادين منفصلين. السؤال الذي يؤرق كل يمني اليوم: هل ستتوحد أسعار الذهب مع توحد البلاد، أم ستستمر هذه الفجوة المدمرة؟ متى سيتمكن اليمنيون من شراء الذهب بسعر واحد عادل في بلدهم الموحد؟ الإجابة قد تحدد مستقبل أجيال كاملة تنتظر بريق الأمل وسط ظلام الأرقام.