بينما يتراقص القلق والحذر في أذهان الأسر اليمنية أمام أي خبر اقتصادي، تتساءل العائلات في عدن والمحافظات المحررة: هل يمكن الوثوق في استمرار ثبات أسعار الريال اليمني الذي يحافظ على استقراره منذ قرابة شهر كامل؟
وما الذي يعنيه هذا الاستقرار النادر لميزانياتهم وخططهم المالية المستقبلية؟ في عالم اقتصادي شهد تقلبات عنيفة، يبدو الثبات الحالي للأسعار وكأنه معجزة تحتاج إلى فهم أعمق لضمان اتخاذ قرارات مالية سليمة.
المشكلة: لماذا يحتار اليمنيون أمام ثبات أسعار الصرف؟
تعيش الأسر اليمنية في حالة من التردد والحيرة أمام الاستقرار المستمر لأسعار صرف الريال اليمني. فبعد سنوات من التقلبات الحادة التي ضربت العملة اليمنية، يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة سؤال محوري: هل هذا الثبات حقيقي ومستدام، أم أنه مجرد هدوء مؤقت يسبق عاصفة جديدة؟
الأرقام الحالية تظهر استقراراً ملحوظاً، حيث يحافظ الدولار الأمريكي على سعر 1617 ريالاً للشراء و1632 ريالاً للبيع، بينما يستقر الريال السعودي عند 425 ريالاً للشراء و428 ريالاً للبيع. هذه الأسعار لم تشهد أي تغيير يُذكر منذ أكثر من نصف شهر، وهو أمر نادر الحدوث في السياق الاقتصادي اليمني.
لكن التجربة المؤلمة للمواطنين مع انهيارات مفاجئة سابقة تجعلهم يترددون في اتخاذ قرارات مالية كبيرة، من شراء سلع استهلاكية مهمة إلى الاستثمار في مشاريع صغيرة. فالخوف من أن يكون هذا الاستقرار مصطنعاً أو مؤقتاً يدفعهم للحذر المفرط، مما يؤثر على الحركة الاقتصادية العامة ويحد من قدرتهم على الاستفادة من فترات الاستقرار النسبي.
تشريح الاستقرار: العوامل الخفية وراء ثبات الأسعار لأكثر من نصف شهر
يكشف التحليل العميق للوضع الحالي عن مجموعة من العوامل المترابطة التي تقف وراء هذا الاستقرار المستمر. أولاً، يلعب البنك المركزي في عدن دوراً محورياً في تثبيت الأسعار من خلال آليات تدخل مدروسة، حيث تشير المصادر المصرفية إلى أن الأسعار الحالية تتماشى مع التوجيهات التي حددها البنك مسبقاً، مما يعكس سياسة نقدية أكثر انضباطاً من السابق.
ثانياً، تسهم عوامل اقتصادية محلية في دعم هذا الاستقرار، منها تحسن في تدفق العملة الصعبة من مصادر متنوعة، وانخفاض نسبي في الضغوط التضخمية المباشرة على السوق المحلي. كما أن توازن العرض والطلب على العملات الأجنبية في أسواق عدن والمحافظات المحررة يشهد حالة من التوازن النسبي، مدعوماً بإجراءات رقابية أكثر فعالية على أنشطة الصرافة غير المنظمة.
مقارنة بفترات عدم الاستقرار السابقة، نجد أن الفترة الحالية تتميز بغياب الصدمات الخارجية الكبيرة وتراجع المضاربة العنيفة التي كانت تضرب السوق. هذا الهدوء النسبي في البيئة الاقتصادية الإقليمية والمحلية يوفر أرضية أكثر ثباتاً لاستقرار أسعار الصرف.
لكن المحللين يشيرون إلى أن هذا الاستقرار، رغم إيجابيته، يبقى هشاً ومعرضاً لتأثيرات عوامل خارجية قد تغير المعادلة بسرعة. فالوضع الجيوسياسي المعقد في المنطقة، وتقلبات أسعار النفط العالمية، والتغيرات في السياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى، كلها عوامل قد تؤثر على استمرارية هذا الاستقرار في المدى المتوسط والطويل.
الحل العملي: كيف تستفيد الأسر في عدن من هذا الاستقرار؟
أمام هذا الواقع المستقر نسبياً، تحتاج الأسر اليمنية إلى استراتيجية مدروسة للاستفادة من فترة الثبات دون الوقوع في فخ الثقة المفرطة. الخطوة الأولى تتمثل في التخطيط المالي المرحلي، حيث يمكن للأسر الاستفادة من استقرار الأسعار لإعادة بناء مدخراتها تدريجياً، مع التركيز على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد.
من الناحية العملية، ينصح الخبراء الاقتصاديون الأسر بالاستفادة من هذه الفترة في شراء الاحتياجات الأساسية طويلة المدى، خاصة تلك المستوردة والمرتبطة بأسعار العملات الأجنبية. كما يمكن للتجار الصغار والمستثمرين المحليين التفكير في مشاريع استثمارية محدودة المخاطر، مع ضرورة وضع خطط للتعامل مع أي تغيرات مستقبلية محتملة.
المؤشرات التي يجب مراقبتها تشمل تحركات أسعار النفط العالمية، والتطورات السياسية الإقليمية، وسياسات البنك المركزي، وحجم التحويلات من الخارج. هذه المؤشرات تعطي إنذارات مبكرة عن أي تغييرات محتملة في اتجاه أسعار الصرف.
لكن الأهم من كل ذلك هو الحفاظ على التوازن بين الاستفادة من الاستقرار والحذر الواقعي. فالتاريخ الاقتصادي اليمني يعلمنا أن فترات الاستقرار، مهما طالت، تبقى عرضة للتغيير المفاجئ، مما يستدعي إستراتيجية مالية مرنة قادرة على التكيف مع المتغيرات دون خسائر فادحة.
الاستقرار الحالي لأسعار صرف الريال اليمني لأكثر من نصف شهر يمثل فرصة ذهبية نادرة للأسر والمستثمرين في عدن والمحافظات المحررة. العوامل الداعمة لهذا الاستقرار، من السياسات النقدية المنضبطة إلى التوازن النسبي في العرض والطلب، تشير إلى إمكانية استمرار
هذا الوضع لفترة أطول نسبياً. لكن الحكمة تقتضي الاستفادة من هذه الفترة بحذر وتخطيط، مع الاستعداد الدائم للتعامل مع أي تغيرات مستقبلية. الأسر التي تتبنى نهجاً متوازناً بين الاستثمار في الاستقرار والحذر من التقلبات المحتملة ستكون الأقدر على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه المرحلة الاستثنائية في الاقتصاد اليمني.