في صدمة اقتصادية تهز أركان اليمن، سجل الريال اليمني انهياراً تاريخياً في عدن وصل إلى 1632 ريال مقابل الدولار الواحد، بينما يتداول في صنعاء بـ536 ريال فقط - فارق مرعب يتجاوز 204% في نفس البلد ونفس اليوم! هذا الانقسام النقدي الصادم يعني أن المواطن في عدن يدفع ثلاثة أضعاف ما يدفعه نظيره في صنعاء لشراء نفس المنتج المستورد، في مشهد يذكرنا بانهيار الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الأولى.
أحمد المقطري، موظف حكومي في عدن، يروي مأساته بكلمات مؤثرة: "راتبي الشهري 50 ألف ريال لا يكفي لشراء كيس أرز واحد لأطفالي الأربعة." المشهد يتكرر في محلات الصرافة حيث تصطف طوابير من المواطنين الذين يحملون أكياساً من الأوراق النقدية المتهالكة، بينما تملأ أصوات الآلات الحاسبة المكان وسط ضجيج الباعة الذين ينادون على الأسعار المتقلبة. الفارق البالغ 1088 ريال بين المدينتين يساوي راتب موظف حكومي كامل، ويكفي لشراء وجبة كاملة لأسرة في صنعاء بينما لا يشتري كوب شاي في عدن.
جذور هذه الكارثة تعود إلى عام 2016 عندما انقسم البنك المركزي اليمني فعلياً بين سلطتين متحاربتين، مما أدى إلى طباعة نقود جديدة دون غطاء ذهبي وانهيار احتياطي النقد الأجنبي. د. عبدالله الصغير، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "ما نشهده اليوم يشبه انهيار الاقتصاد اللبناني في الثمانينات، لكن بوتيرة أسرع وتأثير أعمق." توقف صادرات النفط والغاز جعل البلد يعتمد بالكامل على المساعدات الدولية، بينما العقوبات المفروضة تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
أسعار الخبز ارتفعت 500% في عدن مقارنة بالعام الماضي، والعلاج الطبي أصبح حلماً بعيد المنال لمعظم الأسر اليمنية. فاطمة علي، أم لأربعة أطفال، تقف في طوابير الخبز منذ الفجر وتقول بصوت مختنق: "أطفالي تركوا المدرسة للعمل في الشوارع، والدواء أغلى من الذهب." التعليم الخاص توقف فعلياً، والأطباء يهاجرون إلى دول الخليج تاركين وراءهم نظاماً صحياً على حافة الانهيار. سالم باوزير، المحلل المالي، يرى أن "الأسوأ لم يأت بعد، فكل يوم تأخير في الحل يعني المزيد من الفقر والجوع لـ30 مليون يمني."
أرقام صرف اليوم تؤكد أن اليمن يقف على حافة هاوية اقتصادية قد تدفع البلد إلى اقتصاد المقايضة إذا استمر التدهور بنفس الوتيرة. الخيارات أمام اليمنيين باتت محدودة: إما الإنقاذ السريع من خلال توحيد البنك المركزي وإيجاد حل سياسي شامل، أو الانزلاق نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة. السؤال الذي يؤرق كل يمني الليلة: كم من الوقت يتبقى قبل أن تصبح العملة اليمنية مجرد ذكرى من الماضي؟