تشهد الساحة الرقمية في المنطقة العربية انتشاراً خطيراً للعصابات الإلكترونية التي تستغل موسم توظيف المعلمين لتنفيذ عمليات احتيال مدروسة، حيث تتلاعب هذه المجموعات الإجرامية بطموحات الباحثين عن عمل من خلال نشر إعلانات وظائف وهمية تتضمن عروضاً مغرية بمرتبات تصل إلى آلاف الدراهم، قبل أن تطلب من ضحاياها تحويل مبالغ مالية تبدأ من 800 درهم تحت مسميات مختلفة كرسوم الاستقدام والتأشيرات.
كشفت التحقيقات الأمنية والتقارير القانونية الحديثة عن تطور أساليب هذه العصابات الإجرامية، حيث باتت تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لإنشاء مواقع وهمية أكثر إتقاناً، وتصميم إعلانات توظيف تبدو مقنعة للغاية، مما يصعب على الضحايا اكتشاف الخدعة في البداية.
أوضح المهندس أحمد عبدالناصر، المتخصص في الأمن السيبراني، أن المحتالين يحرصون على إضفاء الطابع الاحترافي على عملياتهم من خلال إجراء مقابلات هاتفية مع المتقدمين للوظائف، وإرسال عقود عمل مزورة تحمل أختاماً وتوقيعات وهمية، مشيراً إلى أن هذه العصابات تستهدف بشكل خاص المعلمين من خارج دولة الإمارات، حيث يصعب عليهم التحقق من صحة العروض المقدمة.
تتبع العصابات الإلكترونية نمطاً ثابتاً في عملياتها الاحتيالية، حيث تبدأ بنشر إعلانات توظيف جذابة عبر منصات التواصل الاجتماعي وقروبات المعلمين المتخصصة، وتتضمن هذه الإعلانات عروضاً مغرية مثل المرتبات المجزية وتوفير السكن والتأشيرات وتذاكر الطيران، ثم تطلب من المهتمين تقديم سيرهم الذاتية عبر روابط إلكترونية مشبوهة.
وفقاً لشهادات الضحايا، تقوم هذه المجموعات الإجرامية بإجراء مقابلات وهمية عبر تطبيقات الاتصال المرئي، وبعدها تعلن قبول المتقدم وترسل له عقد عمل مزور، قبل أن تطالبه بتحويل مبالغ مالية تتراوح بين 800 و3000 درهم كرسوم إدارية أو رسوم استيفاء الأوراق، مع وعود بردها عند الوصول للعمل.
حذّرت مدارس خاصة وجامعات في دولة الإمارات من انتشار هذه الممارسات الاحتيالية، مؤكدة عبر مواقعها الإلكترونية وحساباتها الرسمية أن عمليات التوظيف الحقيقية لا تتطلب أي مدفوعات مالية من المتقدمين، وأن جميع الإعلانات الرسمية تصدر حصرياً عبر القنوات المعتمدة للمؤسسة التعليمية.
أكد المحامي سالم عبيد النقبي أن القانون الإماراتي يفرض عقوبات صارمة على هذا النوع من الجرائم، حيث تصل الغرامات المالية إلى مليون درهم على الشركات التي تنشر وظائف وهمية، بينما يواجه الأفراد المتورطون في عمليات الاحتيال الإلكتروني عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة مع غرامة تتراوح بين 250 ألف ومليون درهم.
شددت المحامية هادية حماد على أن استخدام تقنيات المعلومات في جمع البيانات الشخصية بطرق مخالفة للقانون يعرض المرتكبين لغرامات تصل إلى 500 ألف درهم، مشيرة إلى أن وزارة الموارد البشرية والتوطين طورت نظاماً إلكترونياً متقدماً يتضمن باركود على جميع عقود العمل المعتمدة، مما يساعد الباحثين عن عمل على التحقق من صحة العروض المقدمة لهم.
نصح خبراء الأمن السيبراني الباحثين عن عمل بضرورة اتباع بروتوكولات الوقاية الصارمة، والتي تشمل التحقق من البريد الإلكتروني للجهة المعلنة، والبحث عن اسم الشركة في محرك البحث مع إضافة كلمات مفتاحية مثل "وظيفة وهمية" أو "احتيال"، إضافة إلى زيارة الموقع الإلكتروني الرسمي للمؤسسة والتواصل المباشر مع قسم الموارد البشرية.
تعد العلامات التحذيرية الأساسية للوظائف الوهمية واضحة ومحددة، وتشمل إخفاء هوية المعلن عن الوظيفة، ووضع شروط قبول تنطبق على الجميع دون تخصص محدد، وتضمين الإعلان مميزات مبالغاً فيها مقارنة بالمعايير السوقية، واستخدام بريد إلكتروني شخصي بدلاً من البريد الرسمي للمؤسسة، وعدم تحديد مواعيد واضحة للتقديم أو إجراء المقابلات.
أشار المحامي سالم سعيد الحيقي إلى أن العروض المزيفة تتميز بطلب رسوم تحت مسميات مختلفة مثل رسوم التسجيل أو التوثيق، والاكتفاء بمكالمات هاتفية دون إجراء مقابلات شخصية حقيقية، مؤكداً أن الجهات الحقيقية تلتزم بمعايير مهنية صارمة في عمليات التوظيف وتوفر فرصاً للتواصل المباشر مع إدارة الموارد البشرية.
كشفت الحالات الموثقة عن قصص مؤلمة لمعلمين سقطوا في فخ هذه العصابات، حيث روى المعلم ناصر فتحي تجربته المريرة بعد تقديمه على إعلان وهمي، وكيف تم خداعه عبر مراحل متدرجة انتهت بطلب تحويل 800 درهم كرسوم استقدام، وبعد تحويل المبلغ انقطع التواصل تماماً واكتشف تعرضه للنصب.
بالمثل، شاركت المعلمة صفاء ندا قصتها مع موقع وهمي لإعداد السيرة الذاتية، حيث تلقت عروض عمل مشبوهة تطلب بيانات حسابية شخصية، لكنها تمكنت من كشف الخدعة من خلال التواصل المباشر مع المدرسة المزعومة عبر موقعها الرسمي، والتي أكدت عدم علاقتها بالعرض المزور.
دعت الجهات الرسمية في دولة الإمارات الباحثين عن عمل إلى ضرورة التحقق من صحة العروض الوظيفية عبر المصادر الرسمية المعتمدة، والتواصل مع الجهات المختصة عند الاشتباه في أي عملية احتيال، مؤكدة أن الاستغلال الإجرامي لطموحات الباحثين عن عمل يواجه بإجراءات قانونية حازمة تهدف لحماية المجتمع من هذه الممارسات المدمرة.