في مفارقة مذهلة تحدث للمرة الأولى، تضم الأحساء أكبر واحة نخيل في العالم بـ 2.5 مليون نخلة، بينما السياح الذين يزورونها لا يعرفون سوى موقعين أو ثلاثة فقط! هذا الواقع المؤلم دفع مجموعة من الشباب الأحسائيين إلى تحويل غضبهم المشروع إلى ثورة تقنية حقيقية، عبر تطوير منصة "فريج" الإلكترونية التي تهدف لإعادة تعريف السياحة التراثية في المنطقة الشرقية.
حسن المطوع، الشريك المؤسس للمنصة، لا يخفي مشاعر الأسى التي تنتابه: "نشعر بالأسى عندما يأتي السائح ويزور الأحساء ولا يعرف سوى موقعين أو ثلاثة، وعندما يذهب لها يجد أفرادًا من خارج البلد لا يستطيعون تقديم قصة كاملة حول المكان." هذا الغضب المنتج تحول إلى طاقة إبداعية دفعت الفريق لتطوير منصة تربط السائح مباشرة بأبناء الأحساء "النخلاويين" الذين يحملون في قلوبهم قصص المكان وتاريخه العريق.
الواقع المؤلم يكشف عن هدر حقيقي للكنوز التراثية: فبينما تعتبر الأحساء مركزًا تاريخيًا يضاهي أعظم المدن العربية، إلا أن اعتمادها على مرشدين من خارج المنطقة حرمها من استثمار ثرائها الحقيقي. المنصة الجديدة تعد بحل جذري من خلال ربط السياح بالخبراء المحليين الحقيقيين، أولئك الذين نشأوا بين النخيل وتربوا على قصص الأجداد. الخبراء يتوقعون أن تساهم هذه المبادرة في تحويل الأحساء من مجرد محطة عبور إلى وجهة سياحية رئيسية تنافس أشهر المدن السياحية في الخليج.
التأثير على الحياة اليومية للأحسائيين سيكون مباشرًا وملموسًا: فالمنصة تفتح المجال أمام الشباب المحلي للعمل كمرشدين ومصورين ومترجمين، مما يعني فرص عمل جديدة ودخل إضافي للعائلات. محمد النخلاوي، أحد المزارعين السبعينيين، يشعر بالحماس: "أخيرًا سيعرف العالم قصص نخيلنا التي حفظناها 50 عامًا." هذا التحول قد يعيد إحياء الحرف التراثية والصناعات المحلية، ويحول الأحساء إلى نموذج للسياحة التراثية المستدامة.
في النهاية، تبقى القصة أكبر من مجرد منصة إلكترونية، إنها حكاية عن كيف يمكن للغضب المشروع أن يتحول إلى طاقة إبداعية تخدم المجتمع. كما قال الشاعر ماجد النصيف: "والله ياقوقل ماب مهما تطورت.. في نجد ما أنت بصاير أدل منّا"، فإن أبناء الأحساء اليوم يؤكدون أن التكنولوجيا الحديثة لن تحل محل المعرفة الأصيلة، بل ستكون جسرًا لإيصالها للعالم. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه المبادرة الشبابية في إعادة الأحساء إلى خريطة السياحة العالمية؟