في تطور استثنائي يعيد تشكيل خريطة الخدمات في المملكة، شهدت محافظة مهد الذهب في يوم واحد استثماراً ضخماً بقيمة 10 ملايين ريال وافتتاح 23 عيادة طبية متخصصة، في مشهد يحمل دلالات عميقة لمستقبل التنمية. المحافظة التي تضم أقدم منجم ذهب في شبه الجزيرة العربية، تحصل اليوم على أحدث التقنيات الطبية، في تطوير سيغير وجه الرعاية الصحية في المنطقة إلى الأبد.
زيارة الأمير سلمان بن سلطان تكشف استراتيجية متكاملة تجمع بين ثلاث محطات حيوية: الإدارة من خلال رئاسة اجتماع المجلس المحلي، والاقتصاد عبر زيارة منجم مهد الذهب التاريخي، والصحة بافتتاح مجمع العيادات الخارجية الجديد. أحمد العتيبي، مواطن في الخمسينات، كان يضطر للسفر 200 كيلومتر إلى المدينة المنورة للعلاج، والآن يجد 23 تخصصاً طبياً في بلدته. "لم أصدق أن أرى هذا التطور في حياتي"، يقول أحمد بعيون تلمع بالفرح. المختبر المرجعي الجديد سيجري 10 آلاف تحليل يومياً، رقم يضع المحافظة في مقدمة المراكز الطبية الإقليمية.
جذور هذا التطور الاستثنائي تمتد عبر التاريخ، حيث تحمل المحافظة تراثاً عريقاً في التعدين كأقدم منجم في شبه الجزيرة العربية، واليوم تشهد نهضة صحية تواكب هذا الإرث. رؤية 2030 وبرنامج التحول الصحي يقودان هذه النقلة، مدفوعين بالثروات الطبيعية للمنطقة والحاجة الملحة لخدمات متخصصة محلياً. مشروع متحف التعدين المقترح سيحول المحافظة إلى وجهة سياحية علمية، كما كانت وجهة للباحثين عن الذهب عبر القرون. "نحن أمام فرصة تاريخية لتحويل التراث إلى قوة اقتصادية حديثة"، يؤكد المهندس خالد الشريف، مدير مشروع المتحف المقترح.
التأثير الحقيقي لهذا الاستثمار الضخم يتجاوز الأرقام إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. د. فاطمة الأنصاري، أول طبيبة تستخدم تقنية "الطب الاتصالي" في المحافظة، تصف الثورة الطبية: "نستطيع الآن علاج المرضى عن بُعد وربطهم بخبراء في الرياض أو جدة". سالم القرشي، الذي يعمل في منجم الذهب منذ 15 عاماً، يشهد تطوراً مزدوجاً: "شاهدت تقنيات التعدين تتطور من البسيطة إلى الذكية، واليوم أرى الطب يتطور بنفس السرعة في بلدتي". فرص العمل الجديدة للشباب المحلي، وتحسين الخدمات الطارئة على مدار الساعة، وجذب الاستثمارات الخاصة في القطاعات المساندة، كلها تشير إلى تحول جذري في مستقبل المحافظة.
في خاتمة يوم استثنائي، تقف محافظة مهد الذهب على أعتاب مرحلة جديدة تجمع بين عراقة الماضي وتقنيات المستقبل. ثلاث محطات في زيارة واحدة، واستثمار بعشرة ملايين ريال، ومستقبل واعد لمنطقة تكتب فصلاً جديداً في قصة التنمية السعودية. النموذج الذي تقدمه المحافظة اليوم في التنمية المتوازنة قد يصبح خارطة طريق لباقي محافظات المملكة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستصبح مهد الذهب المثال الذي تحتذي به باقي المناطق في تحقيق التنمية الشاملة؟
