في كارثة اقتصادية صامتة تهز أركان الاستقرار المالي، تكشف أسعار الذهب في الأسواق اليمنية عن فجوة مدمرة تصل إلى 300% بين مدينتي عدن وصنعاء، في حين يمكن شراء ثلاثة جرامات ذهب في الشمال بسعر جرام واحد في الجنوب! مع كل دقيقة تمر، تتسع هذه الهوة السحيقة أكثر، مهددة مدخرات آلاف اليمنيين بالتبخر دون سابق إنذار.
الأرقام تصرخ بكارثة حقيقية: فجوة مرعبة قدرها 154 ألف ريال تفصل بين سعر جنيه الذهب في صنعاء وعدن، بينما يصل الفارق في عيار 21 إلى أكثر من ثلاثة أضعاف! "لم نعد نعرف السعر الحقيقي للذهب في بلدنا"، يقول علي السنحاني، صائغ من صنعاء، وهو يشاهد عمله ينهار أمام عينيه. أحمد المطري، موظف حكومي، فقد 40% من قيمة مدخراته في ظل هذا التقلب المجنون، بينما تمكنت فاطمة العولقي، تاجرة من عدن، من مضاعفة أرباحها عبر استغلال هذا التباين الخطير.
جذور هذه المأساة تمتد إلى الانقسام السياسي المدمر منذ 2014، حين انفصل اليمن إلى اقتصادين متحاربين. أنظمة نقدية مختلفة، طرق تجارية منقطعة، وعقوبات متبادلة حولت البلد الواحد إلى جزيرتين اقتصاديتين منعزلتين. "الوضع سيزداد سوءاً ما لم يحدث تدخل عاجل"، يحذر د. محمد الحضرمي، خبير اقتصادي، مقارناً الأزمة بكارثة لبنان 2019 لكن بصورة أكثر تعقيداً وخطورة.
في الحياة اليومية، تعيش العائلات اليمنية كابوساً حقيقياً، غير قادرة على تقدير القيمة الحقيقية لمجوهراتها أو مدخراتها الذهبية. المزيد من التهريب والمضاربات الخطيرة يلوح في الأفق، بينما يستغل التجار هذه الفوضى لتحقيق أرباح خيالية على حساب معاناة المواطنين. غضب يسود الشمال، قلق يخيم على الجنوب، واستغلال وحشي من المضاربين يزيد الطين بلة.
اليمن اليوم يعيش في عالمين اقتصاديين منفصلين تماماً، والذهب - رمز الأمان والاستقرار - أصبح مؤشراً صارخاً على مأساة شعب ممزق. على المواطنين حماية أنفسهم من هذه العاصفة المالية العاتية قبل فوات الأوان. السؤال الذي يؤرق الجميع: متى ستتوحد أسعار الذهب... ومتى سيتوحد اليمن؟
