عندما تَنطق بعبارة «تغيُّر المناخ»، فإن الصورة التي تستحضرها مخيلتك غالبًا ما تكون داكنة، مُثقلةً بتراكماتٍ مخيفة من ثاني أكسيد الكربون، ميثان البقر، الجليد الذائب، وارتفاع منسوب المياه—وكأن ألفريد هتشكوك ذاته، في ذروة اكتئابه، هو من كتب سيناريو هذه الملحمة البيئية السوداء. لكن، إليك الكارثة الحقيقية، التي لا تُدرج في التقارير الفاخرة ولا تجد مكانها في الندوات الأنيقة: إنها كارثة الاحتباس الحراري للأخلاق، التي قد تجعلنا نتمنى لو ذاب الجليد أسرع قليلًا، وربما اختفت الجزر المرجانية بغمضة عين.
دعونا نقف عند هذا المفترق المُربك قليلًا، ونُسجّل، بكل وضوح، تضامنًا كاملًا مع رقية الغولي وغدير طيره. إنني أُدرك جيدًا آفات منصات التواصل الاجتماعي، تلك التي تُرغِم الإنسان أحيانًا على الدخول في حلبةٍ مشحونة بالنرجسية والبطولة الافتراضية، مقابل فيضٍ من الإعجابات والتعليقات المُصفّقة للبطولات الوهمية، أو حمل منصب Co-Founder، وإن كان مجرد صُعودٍ متسلّقٍ على أكتاف الآخرين.
قبل الولوج عميقًا في قلب الحدث، لا بد أن نمر سريعًا على مشهد المؤسسات الفاعلة: «مجلس الشباب العالمي - اليمن»، المُنظمة الرائدة التي تأسست عام ٢٠١٢، ذات العضوية المرموقة في المجلس الاستشاري للأمم المتحدة، آخر إنجازاتها حيازة صفة عضو مراقب في اتفاقية بازل العالمية، ومؤسسها طارق حسان، الرجل ذو الخبرة الدولية الممتدة، الذي يشارك في قمم المناخ جنبًا إلى جنب مع زعماء العالم. ومنظمة «حلول من أجل مجتمع مستدام»، التي أسسها عمر بادخن، صاحب جائزة «أبطال الأرض الشباب» في غرب آسيا، الساعية لخلق حياةٍ مستدامةٍ في ريف اليمن عبر حلولٍ ذكية.
أعرف أن هذه المقدمة تبدو كأنها صفحةٌ مقتطعة من كتيّبٍ دعائيّ بارد، لكن لماذا كل هذه المعلومات «المملة» مهمة؟ إليك الجواب: هاتان المنظمتان، بخبرتهما الطويلة، مُنحتا ترخيصًا لاستضافة مؤتمر الشباب المحلي للمناخ LCOY Yemen 2023، بإشراف فريق YOUNGO العالمي، لتنسيق جهودٍ أكثر فاعليةً واتساقًا عالميًا.
نجح المؤتمر بالفعل بحضورٍ تجاوز 250 شابًا وشابة، وبدا كل شيء، للوهلة الأولى، وكأنه فجرُ عصرٍ جديد من الوعي البيئي، لكننا في اليمن، نحبُّ القفز السريع على درجات السلم، ونستعجل رسم نهاياتٍ أكثر إثارة. هنا تحديدًا، ظهرت غدير طيره، التي تم تعيينها مسؤولة التواصل الاجتماعي للمؤتمر من قِبل مجلس الشباب العالمي - اليمن، ورفيقتها رقية الغولي من منظمة حلول، لتنفيذ مهمةٍ واضحة: تعزيز صوت المؤتمر والتنسيق مع YOUNGO. ولكن، ولسوء الحظ، سرعان ما تبدّل السيناريو.
في تطورٍ درامي سوريالي، أقرب لقصص كافكا السوداء، استولت المتطوعتان على الموقع الرسمي وصفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤتمر. رفضتا كل الطرق الدبلوماسية لاستعادة الحسابات، ما أثار دهشة واستغراب مسؤولي المنظمتين اللذين كانا يعتقدان في البداية بحُسن نيةٍ لا غبار عليها.
الكشف عن النوايا الخفية لم يستغرق طويلًا. في ٢٠٢٤، قَدّمت طيره والغولي عرضًا تقديميًا، نسخة طبق الأصل من مجهودٍ أعدّه متخصصو مجلس الشباب، لانتزاع ترخيص المؤتمر، لبناء صرحٍ مزيفٍ من المجد على رماد جهود غيرهم، عبر صفحة فيسبوك جديدة، مزينة بعنوان براق وعصري مثل «Women Impact»، وحصلتا، ويا للمفارقة، على موافقةٍ من اللجنة الدولية YOUNGO—نعم، اللجنة التي تشارك بها رقية نفسها شخصيًا.
الأغرب من كل ذلك، أنه حين اتُهمتا بهذا العمل، اكتفتا بادعاء المظلومية والتهديد بمقاضاة كل من يُشوّه سمعتهما دوليًا. يذكّرني ذلك بالمثل الذي يقول: حين تسأل اللص الذي سرق هاتفك عن نوع الهاتف الذي يُفضّل، يجيبك غاضبًا: أقسم لك أني لم أسرق هاتفك.
هكذا نكون في نهاية الأمر أمام تجسيد حيّ لقضية مناخية أخلاقية، أخطر وأعمق من مجرد ارتفاع حرارة الكوكب، فثمة كارثة تتسلّل بيننا بصمت، قد لا تذيب الجليد، لكنها حتمًا تُذيب شيئًا ما داخلنا: ضمائرنا.