في تطور عاجل يعيد تشكيل خريطة السفر بين اليمن والسعودية، أعلنت الهيئة العامة للنقل فرض مسار واحد إجباري على أكثر من 3,000 مسافر يومياً، بعد حادث العرقوب المأساوي الذي هز الضمير العام. لا بدائل، لا استثناءات، لا تهاون - هكذا جاء القرار الحاسم الذي سيدخل حيز التنفيذ في 9 نوفمبر القادم، مغيراً قواعد اللعبة إلى الأبد.
المسار الجديد الذي يمتد عبر سبع محطات استراتيجية من عدن إلى الوديعة، يحمل في طياته قصة معاناة طويلة مع طرق الموت. "شاهدت زوجي يودعني آخر مرة قبل سفره عبر طريق العرقوب، لم أعلم أنها الوداع الأخير" تقول أم محمد من عدن، التي فقدت زوجها في الحادث الذي أجبر السلطات على اتخاذ هذا القرار الجذري. المهندس سالم باحميد، خبير النقل الذي ساهم في تصميم المسار الآمن، يؤكد أن الطريق الجديد أكثر أماناً بنسبة 80% من الطرق البديلة الخطيرة.
جذور هذا القرار تمتد إلى سنوات من الإهمال وتراكم الضحايا على طرق بديلة غير مراقبة، حيث تحولت رحلة العودة من السعودية إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. الدكتور عبدالله المحضار، خبير هندسة الطرق، يصف الوضع السابق بأنه "لعبة روليت روسية بأرواح الناس"، مؤكداً أن المسار الجديد سيكون مثل حزام الأمان في السيارة - قد يبدو مقيداً لكنه ينقذ الأرواح. التجربة التاريخية تشير إلى أن الطرق المراقبة والمنظمة تقلل الحوادث بنسب مذهلة تصل إلى 90% في بعض البلدان.
بينما يرحب أهالي الضحايا بهذا القرار كنصر متأخر للعدالة، تواجه شركات النقل تحدياً حقيقياً في إعادة تنظيم عملياتها. أحمد الحضرمي، سائق حافلة ذو خبرة 15 عاماً، يقول: "المسار الجديد أطول وقد يكلف أكثر، لكن راحة البال بوصول عائلاتنا سالمة لا تُقدر بثمن". التأثير لن يقتصر على شركات النقل فحسب، بل سيمتد إلى تطوير المناطق الواقعة على امتداد المسار، مما يفتح فرصاً استثمارية جديدة في محطات الخدمة والمشاريع التنموية. الخبراء يتوقعون نمواً اقتصادياً ملحوظاً في المناطق المارة بالطريق الجديد.
مع اقتراب موعد التطبيق، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الإجراءات الصارمة في وضع حد نهائي لمأساة حوادث الطرق بين اليمن والسعودية؟ على المسافرين التأكد من التزام شركات النقل بالمسار المحدد، فالخيارات لم تعد متاحة والسلامة أصبحت الأولوية الوحيدة. المستقبل يحمل وعداً بطرق أكثر أماناً، لكن النجاح يتطلب التزاماً جماعياً من الجميع.
