في مشهد يشبه الخيال العلمي أكثر من الواقع، تشهد اليمن انقساماً اقتصادياً صادماً حيث يباع الدولار الواحد بـ1615 ريال في عدن مقابل 537 ريال في صنعاء - فجوة مرعبة تصل إلى 201% في نفس البلد وبنفس العملة! هذا التفاوت الجنوني يعني أن المبلغ نفسه يفقد ثلثي قيمته عند الانتقال من مدينة لأخرى، تاركاً ملايين اليمنيين في حيرة مطلقة حول مصير مدخراتهم ومستقبلهم المالي.
أحمد المعلم من صنعاء، البالغ من العمر 45 عاماً، يروي مأساته بصوت مرتجف: "راتبي 60 ألف ريال يساوي 110 دولار هنا، لكن لو سافرت لعدن سيصبح 37 دولار فقط". هذا الانهيار المتسارع جعل أكياس النقود تملأ البيوت بينما القوة الشرائية تتآكل يومياً. فاطمة، الأم الأربعينية، اضطرت لبيع أساورها الذهبية في عدن بسعر مرتفع لترسل المال لأقاربها في صنعاء، "النقود هنا مثل أوراق الشجر، كثيرة لكن لا قيمة لها" تقول وهي تمسح دموعها.
جذور هذه الكارثة تمتد لعقد من الحرب المدمرة التي قسمت البلاد سياسياً واقتصادياً. قبل 2014، كان الدولار يساوي 215 ريال فقط في جميع أنحاء اليمن، أما اليوم فقد تحول إلى اقتصادين منفصلين تماماً. انقسام البنك المركزي بين عدن وصنعاء، توقف صادرات النفط، والحصار المفروض على الموانئ الشمالية خلق هذا الوضع المأساوي. د. علي الخبير الاقتصادي حذر منذ سنتين قائلاً: "هذا ليس اقتصاد، هذا انتحار مالي جماعي"، لكن تحذيراته ضاعت وسط أصوات المدافع والصواريخ.
في الشوارع، تنتشر محلات الصرافة كالفطر بعد المطر، حيث تملأ أصوات طقطقة آلات عد النقود الأزقة بينما تتناقل الهمسات أسعار الصرف المتقلبة كل ساعة. محمد التاجر وجد في هذه الفوضى فرصة ذهبية، فهو يشتري الدولار من صنعاء بـ540 ريال ويبيعه في عدن بـ1610 ريال، محققاً أرباحاً خيالية يستخدم جزءاً منها لمساعدة الفقراء. العائلات تنقسم مالياً حيث الأقارب في صنعاء يعيشون بمستوى اقتصادي مختلف تماماً عن أقرانهم في عدن، والأطفال لا يفهمون لماذا نقودهم لا تكفي لشراء نفس الحلوى التي اعتادوا عليها.
التوقعات المستقبلية قاتمة، فالخبراء يحذرون من سيناريوهات أسوأ قد تشمل انهيار الريال كلياً في المناطق الشمالية واعتماد عملة أجنبية. البنك الدولي يصف الوضع بـ"الكارثة الاقتصادية الصامتة" التي تدمر حياة 30 مليون يمني. النصيحة الوحيدة المتاحة للمواطنين: تنويع مصادر الدخل والاستثمار في الذهب وتجنب الاحتفاظ بمبالغ كبيرة نقداً. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى سيفقد الريال اليمني قيمته نهائياً؟ الإجابة أقرب مما نتوقع، والعد التنازلي بدأ بالفعل.