في تطور صادم يكشف عمق الكارثة الاقتصادية، يدفع أهل عدن 1083 ريالاً إضافياً لشراء دولار واحد مقارنة بإخوانهم في صنعاء! هذا الرقم المدمر يعني أن العملة الواحدة في البلد الواحد تباع بثلاثة أسعار مختلفة كلياً، في مشهد يذكرنا بانقسام ألمانيا الشرقية والغربية اقتصادياً. كل دقيقة تأخير في فهم هذه الأزمة قد تكلف المواطن اليمني مئات الريالات الإضافية، بينما يسابق الخبراء الزمن لإطلاق تحذيرات من انهيار اقتصادي كامل.
الأرقام تتحدث بوضوح مرعب: في عدن، يصل سعر الدولار إلى 1633 ريالاً، بينما لا يتجاوز 540 ريالاً في صنعاء - فرق يزيد عن 200% يجعل شراء كوب الشاي في عدن يعادل ثلاثة أكواب في صنعاء! أبو محمد، تاجر ووالد لأربعة أطفال في عدن، يروي مأساته: "أصبحت أدفع ثلاثة أضعاف تكلفة استيراد البضائع مقارنة بالتجار في صنعاء، كيف أنافس؟ كيف أعيش؟" صوت حشرجة آلات العد يملأ محلات الصرافة، بينما تتراكم أوراق النقد المهترئة من كثرة التداول في مشهد يعكس حجم المأساة.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تمتد إلى سنوات الحرب المدمرة وتعدد السلطات النقدية، حيث يدير البنك المركزي في عدن سياسة نقدية مختلفة كلياً عن نظيره في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين. نقص النقد الأجنبي المدمر، مضافاً إليه الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، خلق هذا الوحش الاقتصادي الذي يلتهم مدخرات اليمنيين. الدكتور أحمد الخبير الاقتصادي يحذر: "هذا التباين الصادم يعكس انقساماً اقتصادياً خطيراً قد يؤدي لانهيار كامل للنظام النقدي، وهو ما شهدناه في فنزويلا ولبنان."
المأساة الحقيقية تتجلى في الحياة اليومية للمواطنين، حيث تضطر فاطمة ربة البيت في عدن للقول بحسرة: "أصبحت أحسب كل قرش، راتب زوجي لا يكفي حتى لنصف الشهر بهذه الأسعار الجنونية." ارتفاع أسعار الغذاء والدواء بنسب فلكية يهدد بموجة نزوح اقتصادي جديدة، بينما يستغل المضاربون هذه الفوضى لتحقيق أرباح طائلة من معاناة الشعب. خالد الصراف الشاب اعترف: "أرباحي من التجارة بين المدينتين في أسبوع تعادل راتب موظف لستة أشهر." المستقبل يحمل سيناريوهات مرعبة تتراوح بين الانهيار الكامل والتحول للاقتصاد المقايضي.
عملة واحدة، بلد واحد، ثلاثة أسعار - معادلة الكارثة الاقتصادية اكتملت أركانها في اليمن المنكوب. الوقت ينفد بسرعة البرق أمام أي حلول جذرية، بينما تتسارع نبضات قلوب ملايين اليمنيين خوفاً من مستقبل مجهول. السؤال الذي يؤرق الجميع: متى ستنفجر هذه القنبلة الاقتصادية الموقوتة، وهل سيبقى هناك ريال يمني يستحق هذا الاسم؟