في تطور مأساوي يصدم الضمير الإنساني، كشفت التقارير الميدانية أن 75% من أسر صنعاء تعيش على الديون المتراكمة، بينما يلوح تحذير دولي مرعب من وقوع مجاعة كارثية خلال أسابيع قليلة. في مشهد لم تشهده المدينة منذ عقود، تحولت الديون من ضرورة طارئة إلى نمط حياة قسري، والجوع من خطر محتمل إلى واقع يومي مرير.
وسط شوارع صنعاء المحتلة، تتكرر قصة عادل يومياً مع آلاف العائلات الأخرى. هذا المعلم السابق الذي اضطر لترك التعليم والعمل في متجر صغير قبل أن يجد نفسه عاطلاً، يقف الآن أمام بقالة الحي كل صباح، لا يحمل في جيبه سوى قائمة بحاجات أطفاله الخمسة وكرامة تتآكل مع كل دين جديد. "لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف"، يقول بصوت مختنق، فيما تكشف سجلات البقالات أن 60% من البضائع تُباع بالدين - رقم يعني تحول المتاجر إلى مصارف إفلاس حقيقية.
الوضع لم ينشأ بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة انقطاع الرواتب منذ سنوات وممارسات الحوثيين الاقتصادية المدمرة التي خنقت التجارة وأفلست المواطنين. د. محمد الحضرمي، الخبير الاقتصادي، يصف الوضع بأنه "انهيار منظم مقصود لإركاع الشعب"، مقارناً الأزمة الحالية بـ"الكساد الكبير، لكن بلا أمل في النهاية". والمؤلم أكثر أن هذا الانهيار يحدث في مدينة كانت قلب اليمن النابض، لتصبح اليوم سجناً اقتصادياً مفتوحاً.
أما الأثر على الحياة اليومية فكارثي بكل المقاييس. كل وجبة طعام أصبحت معادلة حسابية معقدة بين الحاجة والدين المتراكم، فيما تقف أم عماد كل صباح أمام البقالة تتوسل للحصول على الخبز لأطفالها الثلاثة بالدين. التحذير الأممي الأخير من منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي لم يكن مجرد إنذار عابر، بل صرخة استغاثة أخيرة: المجاعة ليست متوقعة فحسب، بل وشيكة ومؤكدة إذا لم يحدث تدخل عاجل. الأطفال اليوم يذهبون للنوم جوعى، وغداً قد لا يستيقظوا أبداً.
بينما تتراكم الديون بسرعة الانهيار الجليدي، وتتحول صنعاء إلى مدينة أشباح اقتصادية، يبقى السؤال الأهم معلقاً في الهواء مثل سيف مسلط: هل سيصحو العالم قبل أن تتحول صنعاء إلى مقبرة جماعية للأطفال؟ الوقت ينفد، والجوع لا ينتظر، والتحرك الآن هو الفرصة الأخيرة قبل أن يصبح الندم مجرد كلمات على شواهد القبور.