في ضربة صاعقة هزت أسواق الصرافة في اليمن، أغلق البنك المركزي اليمني 70 منشأة صرافة خلال أسابيع قليلة فقط، في أكبر حملة تطهير مالي تشهدها البلاد منذ عقود. آخر ضحايا هذا الإعصار النقدي كانت "منشأة بكين للصرافة" في عدن، التي أُغلقت أبوابها بقرار حاسم من محافظ البنك المركزي أحمد غالب. هل هذا إنقاذ للاقتصاد المنهار، أم كارثة تضرب المتعاملين في مقتل؟
كسيل جارف اجتاح أسواق الصرافة في المحافظات المحررة، بعد أن أصدر غالب القرار رقم (29) لعام 2025 بإيقاف ترخيص "بكين للصرافة" وإغلاق مقرها نهائياً. السبب صادم بحق: مخالفات مثبتة بتقرير النزول الميداني من قطاع الرقابة على البنوك، في خطوة تعكس تصميم البنك المركزي على اجتثاث الفساد من جذوره. محمد الصرافي، صاحب إحدى المنشآت المغلقة، يروي مأساته: "فقدت مصدر رزقي الوحيد بعد 15 سنة عمل، ولا أعرف كيف سأعيل أسرتي."
هذه الحملة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة لتفاقم خطير في التلاعب بالعملة الأجنبية وانهيار سعر صرف الريال اليمني. للمرة الأولى منذ تأسيس البنك المركزي في السبعينات، تُتخذ إجراءات بهذه الحسم والشدة لحماية العملة الوطنية من المضاربين والمخالفين. د. عبدالله الاقتصادي، المحلل المالي، يؤكد: "هذه خطوات ضرورية وإن كانت مؤلمة، فالوضع كان يتجه نحو انهيار كامل للنظام النقدي."
الآن، يواجه آلاف المتعاملين واقعاً جديداً صعباً: نقص حاد في نقاط الصرافة المرخصة وارتفاع رسوم التحويلات وطوابير طويلة أمام المحلات المتبقية. فاطمة، التي تحول أموالاً لأسرتها شهرياً، تشكو: "أصبح الأمر كابوساً، أنتظر ساعات للحصول على خدمة كانت تتم في دقائق." لكن المستثمرين الملتزمين يرون الضوء في آخر النفق، حيث تفتح هذه الإجراءات فرصاً ذهبية للشركات المرخصة لاحتكار السوق وزيادة أرباحها.
بينما تتساقط قرارات الإغلاق يومياً كأوراق الخريف، يبقى السؤال الأهم معلقاً في الهواء: هل ستنجح هذه الخطوات الجذرية في إنقاذ الريال اليمني من الانهيار، أم أنها مجرد البداية لأزمة اقتصادية أعمق تلوح في الأفق؟ الأيام القادمة ستكشف ما إذا كان البنك المركزي يكتب فصلاً جديداً من الإصلاح الاقتصادي، أم يحفر قبر الاقتصاد اليمني بيديه.