في تطور صادم يكشف عمق المأساة اليمنية، تشهد محافظات البلاد فوضى عارمة في أسعار المحروقات بفوارق تصل إلى 20,000 ريال للمنتج الواحد - ما يعادل راتب موظف حكومي لمدة شهرين كاملين! هذا الانقسام الاقتصادي المدمر يحول اليمن إلى دول متعددة داخل حدود واحدة، حيث يدفع المواطن في تعز 250% أكثر من نظيره في مأرب مقابل نفس قطرة الوقود.
الأرقام تحكي قصة مأساوية: بينما يحصل المواطن في مأرب على 20 لتر بنزين محلي مقابل 8,000 ريال فقط، يضطر نظيره في تعز لدفع 28,000 ريال مقابل نفس الكمية من الديزل - فارق يبلغ 20,000 ريال يكفي لشراء 500 رغيف خبز أو غذاء أسرة لمدة شهرين. أحمد الصنعاني، سائق تاكسي من تعز، يروي مأساته: "أبيع ممتلكاتي الشخصية لملء خزان سيارتي، وأشاهد أحلامي تتبخر مع كل قطرة وقود." المشهد في محطات الوقود يشبه أفلام نهاية العالم: طوابير لا تنتهي، وجوه يائسة، وصراخ المواطنين المختلط برائحة الوقود وعرق القلق.
هذه الفوضى ليست وليدة اليوم، بل نتاج مباشر للحرب المدمرة التي تعصف باليمن منذ عقد كامل. غياب السلطة المركزية الموحدة، تعدد مصادر التوريد بين محلي ومستورد وتجاري، والسيطرة المتفرقة على الموارد النفطية، كلها عوامل حولت البلاد إلى أرخبيل اقتصادي منفصل. الخبراء يقارنون الوضع بفوضى أسعار المحروقات في العراق بعد 2003، لكن الحالة اليمنية أسوأ وأكثر تعقيداً. د. عبدالله النفطي، خبير اقتصادي يمني، يحذر: "نحن أمام انهيار اقتصادي شامل إذا لم تحل هذه المعضلة خلال أشهر قليلة."
التأثير على الحياة اليومية كارثي بكل المقاييس: آلاف العمال يعجزون عن الوصول لمقار عملهم، المرضى لا يستطيعون الوصول للمستشفيات، والأطفال محرومون من التعليم بسبب تعطل وسائل النقل. فاطمة العدنية، ربة منزل، تشاهد زوجها يبكي كل صباح قبل الذهاب للعمل بسبب تكلفة الوقود التي التهمت نصف راتبه الشهري. النشاط التجاري يتراجع بوتيرة مخيفة، وأسعار السلع الأساسية ترتفع يومياً، بينما يستغل محمد الحضرمي، تاجر محروقات ذكي، هذه الفوضى ليحقق أرباحاً خيالية من الشراء من مأرب والبيع في باقي المحافظات.
اليمن يقف اليوم على حافة الهاوية الاقتصادية، والساعات القادمة حاسمة لمنع انزلاق البلاد نحو انهيار شامل لا رجعة فيه. الفوضى الحالية تهدد بتحويل اليمن إلى أول دولة في التاريخ تنقسم اقتصادياً بالكامل، مما يعني موت الحلم اليمني الموحد إلى الأبد. السؤال المصيري الذي يواجه الجميع اليوم: هل ستنجح الأطراف اليمنية في إنقاذ ما تبقى من وطنهم، أم ستشهد الأيام القادمة شهادة وفاة الاقتصاد اليمني نهائياً؟