في تطور اقتصادي مذهل يعكس عمق المأساة اليمنية، سجلت أسعار الذهب اليوم فارقاً جنونياً يصل إلى 199% بين العاصمة عدن وصنعاء، حيث يباع جرام الذهب عيار 21 بـ174,300 ريال في عدن مقابل 58,300 ريال فقط في صنعاء. هذا الفارق الصادم البالغ 116,000 ريال للجرام الواحد يعادل راتب موظف حكومي لستة أشهر كاملة، في مشهد لم تشهده أسواق الذهب العربية في تاريخها الحديث.
وسط هذه الأرقام الصاعقة، تروي فاطمة أحمد، عروس من عدن تبلغ 28 عاماً، قصة ألمها: "كنت أحلم بطقم ذهب بسيط لزفافي، لكن عندما سمعت الأسعار شعرت وكأن الأرض انشقت تحت قدمي. اضطررت لتأجيل الزفاف لأن عائلتي لا تستطيع دفع هذه المبالغ الخيالية." في المقابل، يحقق محمد العامري، تاجر ذهب من صنعاء، أرباحاً استثنائية من هذا التباين: "أشتري من صنعاء وأبيع في عدن، الربح يصل إلى 200% أحياناً، لكنني أخاطر بحياتي في كل رحلة."
جذور هذا الانقسام الاقتصادي المدمر تعود إلى الحرب المستمرة منذ 2014، حيث أدى الانقسام السياسي إلى تعدد العملات المحلية واختلاف قنوات الاستيراد بشكل جذري. د. عبدالله الزبيدي، خبير الاقتصاد اليمني، يحذر قائلاً: "هذا التباين الجنوني يعكس انهياراً اقتصادياً شاملاً. نحن أمام سيناريو كارثي قد يؤدي إلى انقسام دائم في السوق اليمني." فبينما تعتمد عدن على الاستيراد عبر موانئها الجنوبية بأسعار صرف مرتفعة، تحصل صنعاء على الذهب بطرق مختلفة تماماً تجعل الأسعار أقل بشكل صادم.
تداعيات هذا الوضع المأساوي تمتد لتشمل الحياة اليومية للملايين، حيث أجبر مئات العائلات على تأجيل حفلات الزفاف أو الاستغناء عن تقاليد شراء الذهب للعرائس. أبو خالد، صائغ في عدن منذ 30 عاماً، يصف المشهد بصوت مختنق: "زبائني يدخلون المحل بعيون مليئة بالأمل، وعندما أخبرهم بالأسعار، أرى الحلم ينكسر في عيونهم. لم أر في حياتي فارقاً بهذا الحجم الوحشي." في الوقت نفسه، تشهد صنعاء إقبالاً محموماً على الشراء من قبل التجار الذين يسعون للاستفادة من هذه الفجوة السعرية الاستثنائية.
مع استمرار هذا الوضع الاقتصادي المتفجر، يبقى السؤال الأكبر معلقاً في الهواء: هل سيشهد اليمن انقساماً اقتصادياً دائماً يحول البلد إلى دولتين مختلفتين تماماً، أم أن هذا التباين الجنوني مجرد فصل مؤقت في مأساة أطول؟ والأهم من ذلك، كم من الأحلام البسيطة ستتحطم على صخرة هذه الأرقام الصاعقة قبل أن تجد الأزمة اليمنية طريقها إلى الحل؟