في تطور يكشف عمق المأساة الاقتصادية التي يعيشها اليمن، استمر الفارق الصادم في أسعار الصرف بين صنعاء وعدن، حيث يبلغ سعر الدولار الواحد 1633 ريالاً في عدن مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء - فارق مرعب يصل إلى 202% في دولة واحدة! هذا التناقض الاقتصادي المذهل، الأغرب في التاريخ الحديث، يحول اليمن عملياً إلى دولتين بعملتين منفصلتين، ويدق ناقوس الخطر حول مستقبل اقتصادي قد ينهار تماماً.
أحمد المقطري، التاجر اليمني الذي يعمل بين المدينتين، يصف معاناته بمرارة: "عندما أسافر من عدن إلى صنعاء بألف دولار، تتحول قوتي الشرائية إلى ثلث قيمتها فقط. إنه جنون اقتصادي حقيقي!" هذا الواقع المؤلم يعكس مأساة يعيشها ملايين اليمنيين يومياً، حيث يفقد التجار 67% من رؤوس أموالهم عند التنقل بين المناطق المختلفة، بينما تتصاعد أصوات المساومة والقلق في أسواق الصرف المكتظة بأكداس الريالات المتهالكة.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تعود إلى انقسام السلطة على البنك المركزي منذ اندلاع الحرب، مما خلق نظامين نقديين منفصلين تماماً. د. عبدالله الحكيمي، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "نحن أمام تجربة مشابهة لما حدث في ألمانيا المقسمة، لكن بوتيرة تدمير أسرع وأشمل." هذا التشظي الاقتصادي، الذي يتفاقم مع كل يوم يمر دون حل سياسي، يهدد بتحويل أزمة العملة إلى انهيار اقتصادي لا رجعة فيه.
في الشوارع اليمنية، تتجسد معاناة الملايين في قصة فاطمة أحمد التي تقول بصوت مرتجف: "أسعار الطعام تتغير كل ساعة، لا نعرف كيف نخطط لشراء ضروريات أطفالنا." هذا الواقع المرير يدفع الخبراء للتنبؤ بسيناريوهات أكثر سوداوية، حيث قد يتحول اليمن إلى اقتصاد دولاري بالكامل، مما يعني موت الريال اليمني نهائياً وتدمير آخر معالم الوحدة الاقتصادية في البلاد.
بينما تستمر الأرقام في رسم صورة قاتمة للمستقبل، يبقى السؤال الأخطر معلقاً في الهواء: كم من الوقت يمكن أن يصمد الاقتصاد اليمني أمام هذا التشظي المدمر؟ الإجابة تكمن في سرعة التحرك لإيجاد حل سياسي شامل، قبل أن يتحول استقرار اليوم إلى انهيار الغد، وقبل أن تفقد أجيال كاملة من اليمنيين كل ما تبقى من مدخراتها ومستقبلها الاقتصادي.