في مشهد صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، يشتري المواطن في صنعاء دولاراً واحداً بـ 534 ريالاً، بينما يدفع نظيره في عدن 1629 ريالاً للدولار ذاته - فرق مهول يصل إلى 300%! هذا التفاوت الكارثي ليس مجرد أرقام على شاشات الصرافة، بل نذير انهيار حقيقي يهدد بتمزيق النسيج الاقتصادي لبلد كامل. كل يوم يمر دون حل عاجل يعني المزيد من النزيف الاقتصادي الذي قد يحول اليمن إلى دولتين اقتصادياً.
أم محمد، ربة منزل في عدن، تمسك براتب زوجها الشهري وتبكي: "ما كان يكفي لشراء احتياجات الشهر، صار بالكاد يكفي لأسبوع واحد." بينما في الجانب الآخر، يقف أحمد الصراف في صنعاء بثقة ويقول: "رغم الحصار، عملتنا لا تزال صامدة." هذا التناقض المؤلم يعكس حجم الكارثة: الريال اليمني في عدن فقد أكثر من 85% من قيمته، بينما يحافظ على قوته نسبياً في صنعاء. الدكتور ياسر العبادي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذا التفاوت ينذر بكارثة اقتصادية حقيقية قد تؤدي لانقسام البلاد اقتصادياً إلى الأبد."
الجذور العميقة لهذه الأزمة تمتد إلى الحرب الدامية التي تشهدها البلاد منذ 2014، حين انقسم اليمن سياسياً وجغرافياً بين سلطتين. ما لم يتوقعه أحد أن الانقسام السياسي سيتحول إلى انقسام اقتصادي مدمر. قرار رفع الرسوم الجمركية في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً كان القشة التي قصمت ظهر البعير، مما أدى لتفاقم التضخم وانهيار الثقة في العملة المحلية. المقارنة مؤلمة: كما شهدت سوريا ولبنان انهياراً في عملتهما، يبدو أن اليمن يسير على الطريق ذاته، لكن بوتيرة أسرع وتأثير أعمق.
المواطن البسيط يدفع الثمن الأغلى لهذا التفاوت المدمر. سالم التاجر يحكي عن رحلته الأسبوعية المحفوفة بالمخاطر بين صنعاء وعدن لاستغلال فروق الأسعار: "أشتري من صنعاء وأبيع في عدن، لكن المخاطر عالية والطرق خطيرة." العائلات التي لها أفراد في المدينتين تواجه معضلة حقيقية في تحويل الأموال، بينما الطوابير تزداد طولاً أمام محلات الصرافة وأصوات ماكينات عد النقود تصم الآذان. السيناريو الأسوأ يلوح في الأفق: انهيار كامل للثقة في الريال، مما قد يدفع المواطنين للتخلي عن عملتهم الوطنية تماماً.
هذا التفاوت الصادم في أسعار الصرف ليس مجرد أزمة مالية عابرة، بل إنذار أحمر لانقسام اقتصادي قد يصبح دائماً. الحل يكمن في توحيد السياسة النقدية وإنهاء الصراع السياسي قبل فوات الأوان. المطلوب تدخل دولي عاجل وحلول جذرية تعيد الثقة للعملة الوطنية. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيشهد اليمن انقساماً اقتصادياً دائماً يحوله لدولتين في دولة واحدة، أم أن هناك أملاً في عودة الريال اليمني الموحد القوي؟