في تطور اقتصادي صادم يهز اليمن من أقصاه إلى أقصاه، انقسمت أسعار صرف العملات بشكل كارثي بين شمال البلاد وجنوبها، مسجلة فجوة تاريخية تتجاوز 203% في أسعار الصرف. الدولار الأمريكي يباع اليوم بـ 1633 ريال يمني في عدن مقابل 540 ريال فقط في صنعاء، في مشهد يعكس انهياراً اقتصادياً يحدث أمام أعيننا الآن. هذا يعني أن الدولار الواحد في عدن يشتري ثلاثة دولارات في صنعاء - كارثة حقيقية تقسم البلد الواحد إلى دولتين اقتصادياً.
أحمد، موظف حكومي من صنعاء، يروي مأساته بصوت مرتجف: "راتبي 80 ألف ريال يمني يساوي اليوم 149 دولار فقط، بينما زميلي في عدن يحتاج 240 ألف ريال للحصول على نفس المبلغ بالدولار". الفارق البالغ 1083 ريال يمني للدولار الواحد يكفي لشراء ثلاث وجبات كاملة في صنعاء، مما يجعل التنقل بين المدينتين كالسفر عبر الزمن اقتصادياً. خالد، تاجر عملة من عدن، يؤكد استغلاله لهذه الفجوة: "أحقق أرباحاً تتجاوز 30% شهرياً من تجارة العملة بين المدينتين".
هذا الانقسام الاقتصادي المدمر ليس وليد اليوم، بل نتاج تراكمات مدمرة منذ بداية الصراع عام 2014. وجود بنكين مركزيين منفصلين وسياسات نقدية متضاربة حولت اليمن إلى نسخة اقتصادية من ألمانيا المقسمة. د. محمد، المحلل المصرفي، يحذر: "هذا ليس مجرد تقلب في أسعار الصرف، بل انفصال اقتصادي فعلي يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للبلد". نقص السيولة والحصار الاقتصادي فاقما الوضع، جاعلين كل منطقة تعيش في اقتصاد مواز منفصل تماماً.
فاطمة، ربة منزل من عدن، تكشف الوجه الإنساني للأزمة: "أصبح التسوق عبر الإنترنت من صنعاء أرخص من السوق المحلي هنا". طوابير طويلة تصطف يومياً أمام محلات الصرافة، وأصوات آلات عد الأوراق النقدية المتهالكة تملأ الأسواق في مشهد يعكس حجم المأساة. التحويلات المالية بين المحافظات أصبحت معضلة حقيقية، والمواطنون يواجهون تحدياً يومياً في تحديد القيمة الحقيقية لمدخراتهم. فارق 285 ريال يمني في سعر الريال السعودي يساوي راتب يوم عمل كامل لعامل بسيط، مما يعني أن الحياة نفسها أصبحت أغلى ثلاث مرات في الجنوب.
بينما يحذر الخبراء من سيناريو الانهيار الكامل، يبقى السؤال المؤرق: هل نشهد فعلاً ولادة دولتين اقتصادياً داخل اليمن الواحد؟ الوقت ينفد سريعاً أمام أي حلول جذرية، والمواطن اليمني يدفع الثمن يومياً. التدخل العاجل لتوحيد السياسة النقدية أصبح ضرورة وجود وليس مجرد خيار - قبل أن تتحول هذه الفجوة الاقتصادية إلى هوة سحيقة تبتلع ما تبقى من وحدة البلاد.