في تطور صادم هز الأسواق اليمنية، تجاوز سعر أونصة الذهب حاجز المليون ريال يمني للمرة الأولى في التاريخ، مسجلاً 1,007,895.68 ريال يمني - رقم لم يتخيله أحد قبل عقد من الزمن. لو اشترت أسرة يمنية ذهباً بقيمة 100 ألف ريال قبل 5 سنوات فقط، لأصبحت تملك اليوم أكثر من 220 ألف ريال، في مشهد يعكس حجم التحولات الاقتصادية العاصفة التي تشهدها البلاد. بينما تقرأ هذه الكلمات، تواصل أسعار الذهب رحلتها الصاعدة بلا هوادة، تاركة خلفها ملايين اليمنيين يتساءلون: هل فاتتهم القطار نهائياً؟
أحمد التاجر من عدن، رجل الأعمال الذي راهن على الذهب منذ 5 سنوات، يقف اليوم أمام خزائنه وهو يكاد لا يصدق الأرقام. "استثمرت 500 ألف ريال في الذهب عام 2020، واليوم تتجاوز قيمة استثماري المليون ومئة ألف ريال"، يقول أحمد وعيناه تلمعان بالفخر والإثارة. هذا الارتفاع الجنوني بنسبة 52.07% خلال سنة واحدة فقط، يفوق كل التوقعات ويحطم أي عائد استثماري تقليدي آخر في اليمن. في محلات الصاغة، يتردد صدى رنين الذهب وهمهمات المساومة، بينما تصطف طوابير من الزبائن أمام محلات الصرافة كأنهم في سباق مع الزمن.
خلف هذا الانفجار السعري قصة أعمق تحكي معاناة اقتصاد بأكمله. تدهور الريال اليمني المستمر وفقدان الثقة في البنوك المحلية دفع المواطنين للبحث عن ملاذ آمن، ووجدوا ضالتهم في المعدن الأصفر الذي لا يفقد بريقه مهما اشتدت العواصف. د. علي الحكيم، الخبير الاقتصادي اليمني، يؤكد: "الذهب لم يعد رفاهية أو زينة، بل أصبح ضرورة حيوية للحفاظ على قيمة المال في ظل التضخم المدمر". هذا المشهد يذكرنا بأزمة 2008 العالمية، لكن هذه المرة الأزمة محلية ومستمرة، والذهب يلعب دور المنقذ الوحيد في بحر من الاضطرابات الاقتصادية.
أما أم محمد، ربة المنزل من صنعاء، فتقف يومياً أمام محل الصاغة القريب من بيتها تراقب الأسعار بحسرة بالغة. "كان سعر الجرام 15 ألف ريال قبل سنوات، واليوم وصل لأكثر من 32 ألف ريال"، تقول وهي تتنهد بعمق. هذا التأثير المباشر على الحياة اليومية يعكس حجم التحدي الذي يواجه الأسر اليمنية، حيث أصبح شراء الذهب للمناسبات والأعراس أشبه بحلم بعيد المنال. سالم، صائغ الذهب المخضرم، يروي كيف تغيرت طبيعة زبائنه: "لم يعودوا يأتون للزينة والجمال، بل للاستثمار والحفاظ على مدخراتهم". المشهد في محلات الذهب تغير جذرياً، حيث تحول التركيز من البحث عن أجمل القطع إلى أفضل الاستثمارات.
مع استمرار هذا الصعود الجنوني، يبقى السؤال الأهم: هل سيتجاوز سعر الأونصة الـ 1.5 مليون ريال خلال الأشهر القادمة؟ الخبراء منقسمون بين متفائل يتوقع المزيد من الارتفاع ومتحفظ يحذر من فقاعة سعرية قد تنفجر فجأة. الذهب اليوم في اليمن ليس مجرد معدن نفيس، بل رمز للصمود الاقتصادي والأمل في غد أفضل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل أنت مستعد لدخول عصر الذهب الجديد في اليمن، أم ستكتفي بدور المتفرج على أكبر تحول اقتصادي في تاريخ البلاد؟