في تطور صادم هز الأسواق اليمنية اليوم، تجاوزت أوقية الذهب حاجز المليون ريال يمني للمرة الأولى في التاريخ، لتصل إلى 1,008,484 ريال - رقم كان مجرد كابوس أصبح واقعاً مؤلماً يعيشه ملايين اليمنيين. جرام الذهب عيار 21 يحتاج الآن راتب موظف حكومي لثلاثة أشهر كاملة، في مشهد يعكس الانهيار الاقتصادي المدمر الذي يعيشه البلد.

في محلات الذهب بصنعاء، تحولت المشاهد إلى دراما حقيقية عندما وصل سعر جنيه الذهب إلى 402,000 ريال للشراء، بينما ارتفع جرام عيار 21 إلى 51,500 ريال للبيع. "لم نر مثل هذا الجنون في السوق طوال 30 عاماً من العمل"، يقول محمد الحكيمي، تاجر الذهب الذي نجح في مضاعفة ثروته ثلاث مرات خلال العامين الماضيين. أحمد السالمي، مواطن يقف في طابور طويل أمام أحد المحلات، يروي قصته المؤثرة: "أبيع سيارتي لشراء 10 جرامات ذهب لحفظ مستقبل أطفالي".

هذا الارتفاع الجنوني لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لانهيار الريال اليمني الذي فقد أكثر من 80% من قيمته منذ بداية الحرب. انقسام البنك المركزي وطباعة العملة بلا ضوابط خلق حالة من الفوضى النقدية تشبه ما حدث في ألمانيا الفايمار عام 1923. د. عبدالله النهاري، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "الذهب أصبح العملة الحقيقية في اليمن، ونتوقع وصول الأوقية إلى مليوني ريال خلال الأشهر القادمة إذا استمر الوضع على ما هو عليه".

التأثير على الحياة اليومية أصبح كارثياً، حيث تغيرت عادات الادخار جذرياً وأصبح شراء جرام ذهب واحد مثل شراء سيارة فارهة قبل عشر سنوات. فاطمة الأحمد، موظفة متقاعدة تبلغ 45 عاماً، تبكي وهي تحكي: "فقدت 80% من قيمة مدخراتي خلال عامين، والآن أحمل حقيبة مليئة بالأوراق النقدية البالية لشراء جرام ذهب واحد بحجم حبة الأرز". المشهد في الأسواق أصبح مأساوياً: طوابير طويلة، أصوات آلات العد السريعة، وارتعاش أيدي المواطنين من التوتر وهم يعدون أكوام الأوراق النقدية.

مع تحول الذهب إلى الملاذ الآمن الوحيد للمواطنين، يبقى السؤال المصيري: هل سيصبح الذهب عملة اليمن الجديدة فعلياً، أم أن هناك بارقة أمل في إنقاذ الريال من الانهيار الكامل؟ الخبراء ينصحون بالتحول للذهب فوراً مع الحذر من التقلبات، فكل ساعة تأخير قد تكلف آلاف الريالات الإضافية في رحلة البحث عن الأمان الاقتصادي المفقود.