كشفت أحدث البيانات المالية الصادرة عن وزارة المالية السعودية عن تحقيق المملكة إنجازاً استثنائياً في مجال الإيرادات غير النفطية، حيث سجلت 119 مليار ريال خلال الربع الثالث من عام 2025، وذلك رغم تسجيلها أكبر عجز مالي منذ خمس سنوات بقيمة 88.5 مليار ريال. هذا التطور يأتي في إطار استراتيجية المملكة الطموحة لتنويع مصادر الدخل ضمن رؤية 2030.
تمكنت السعودية من الحفاظ على نمو إيراداتها غير النفطية بنسبة 1% مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، مما يعكس نجاح الجهود الحكومية في بناء اقتصاد متنوع وأقل اعتماداً على قطاع النفط. وتشمل هذه الإيرادات مجموعة واسعة من المصادر تضم الضرائب والرسوم الحكومية وعائدات الاستثمارات والخدمات المختلفة.
في سياق متصل، نجحت الحكومة السعودية في الحفاظ على احتياطيات مالية ضخمة تجاوزت 398 مليار ريال حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، مما يوفر للمملكة وسادة مالية قوية لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. هذه الاحتياطيات تمثل أحد أهم أدوات الاستقرار المالي التي تعتمد عليها المملكة في تنفيذ سياساتها التنموية الطموحة.
وتكتسب هذه الإنجازات أهمية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الدولية المعقدة وتقلبات أسعار النفط العالمية. فرغم انخفاض الإيرادات النفطية بنسبة 21% لتصل إلى 151 مليار ريال، إلا أن النمو في الإيرادات غير النفطية ساهم في تخفيف الأثر السلبي لهذا التراجع على إجمالي الإيرادات الحكومية.
ويشير وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم إلى أن هذا الأداء المتميز في الإيرادات غير النفطية يدعم توقعات نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 5.1% خلال عام 2025، مقارنة بتقديرات سابقة عند 4.4%. كما يتوقع أن تحقق القطاعات غير النفطية نمواً بنسبة 3.8%، مما يعزز من قوة الاقتصاد المحلي وتنوعه.
من جانبها، تواصل الحكومة السعودية تبني سياسة إنفاق توسعية تهدف إلى تسريع وتيرة التحول الاقتصادي وتحقيق أهداف رؤية 2030. وقد بلغت النفقات العامة خلال الربع الثالث 358.4 مليار ريال، بزيادة 4% مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، مما يعكس التزام المملكة بالاستثمار في المشاريع التنموية والبنية التحتية.
وتتضمن هذه النفقات استثمارات كبيرة في القطاعات الحيوية مثل التقنية والسياحة والصناعة والطاقة المتجددة، إلى جانب تطوير المدن الجديدة والمشاريع الضخمة مثل نيوم والقدية والدرعية. هذه الاستثمارات تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي متطور وخلق فرص عمل نوعية للمواطنين السعوديين.
وفي إطار الجهود المبذولة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، تركز الحكومة السعودية على تطوير القطاعات الواعدة مثل السياحة والترفيه والرياضة والتجارة الإلكترونية. كما تعمل على تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تقديم حوافز متنوعة وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.
وتشير البيانات إلى أن إجمالي الإيرادات الحكومية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغت 835.1 مليار ريال، مقابل نفقات بقيمة 1016.8 مليار ريال. هذه الأرقام تعكس حجم الاستثمار الحكومي الضخم في عملية التحول الاقتصادي، والذي يتطلب إنفاقاً كبيراً في المرحلة الحالية لضمان تحقيق العوائد المستهدفة في المستقبل.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن نجاح السعودية في تحقيق نمو مستمر في الإيرادات غير النفطية يمثل مؤشراً إيجابياً على صحة الاستراتيجية الاقتصادية المتبعة. فهذا النمو يساهم في تقليل الاعتماد على عائدات النفط تدريجياً، مما يعزز من مرونة الاقتصاد السعودي في مواجهة الصدمات الخارجية وتقلبات أسواق الطاقة العالمية.
