في تطور مذهل يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، تقفز السعودية بمؤشر الاقتصاد الدائري للكربون من 37.7 إلى 41.5 نقطة خلال عام واحد فقط، بينما تسجل الإمارات إنجازات مماثلة في كفاءة الطاقة المتجددة. هذا التحول الجذري يحدث في ظل إحصائية صادمة: 55 غيغا طن من انبعاثات الكربون تخنق كوكبنا سنوياً، ولا تغطي الالتزامات القانونية سوى 17.7% منها فقط. الآن، دول النفط تكتب أغرب فصول التاريخ: محاربة النفط بالنفط نفسه.
في قلب هذا التحول المذهل، تبرز شخصية عبدالله الكعبي، الخبير الاقتصادي الإماراتي، الذي يؤكد: "الإمارات والسعودية أصبحتا المختبر الخليجي للتحول البيئي، إذ تمزجان بين استمرار الاعتماد على النفط واستثمار مكثف في الطاقة النظيفة". هذا التصريح يأتي بينما تسيطر الدولتان على ربع صادرات الطاقة العالمية، في مفارقة تاريخية تشبه إعادة اختراع العجلة بطاقة نظيفة. وسط أصوات ضخ ثاني أكسيد الكربون في مشاريع احتجاز نيوم، وهدير توربينات الرياح في صحراء الإمارات، يولد عصر خليجي جديد.
الجذور العميقة لهذا التحول تعود إلى مأزق محاسبي عالمي مثير للجدل. فبحسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تتحمل دول الخليج عبء انبعاثات ناتجة عن الاستهلاك الأوروبي والآسيوي. يشرح الدكتور سالم الغامدي، الخبير البيئي: "هذه الظاهرة أشبه بنقل غير مرئي للكربون، حيث تُنتج الانبعاثات في الخليج لكنها تُستهلك في مكان آخر". المحلل جوناثان هاو يضيف بحدة: "النظام العالمي لمحاسبة الانبعاثات يحتاج إصلاحاً جذرياً، ليشمل المستهلك والمنتج معاً". هذا الظلم المحاسبي دفع الخليج لطرح "مؤشر كثافة الكربون التجاري" - أداة ثورية قد تعيد توزيع المسؤولية المناخية عالمياً.
على أرض الواقع، تتسارع الخطوات العملية بوتيرة مدهشة. الرياض تؤسس سوقاً طوعية لتداول أرصدة الكربون في الجبيل ونيوم، بينما توسع أبوظبي أكبر محطة لالتقاط الكربون إقليمياً ضمن مشاريع مصدر. الدكتورة ليلى الشامسي، خبيرة اقتصاديات البيئة، تتنبأ بجرأة: "السعودية تمتلك فرصة فريدة لتصدير الكربون المخفّض كما تصدّر النفط اليوم". سارة المهندسة، التي تعمل في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة بمصدر، تصف مشاعرها: "نكتب تاريخاً جديداً للخليج الأخضر، والحماس يسري في عروقنا كالكهرباء النظيفة التي ننتجها". وسط ألواح شمسية لا نهائية تمتد عبر الصحراء، ورائحة التغيير المنعشة في الهواء، يتحول الذهب الأسود إلى ذهب أخضر.
لكن الطريق ليس مفروشاً بالورود الخضراء بعد. مع ارتفاع مؤشر الجاهزية الخليجية من 45.6 إلى 47.2 نقطة، يبقى التحدي الأكبر في التعاون الدولي لتقاسم المسؤولية المناخية. ماريا توريس، خبيرة العدالة المناخية، تحذر: "لا يمكن لأي دولة تحقيق الحياد الكربوني بمفردها، بل من خلال نظام تجاري منصف". أحمد الصناعي، مدير مصنع بتروكيماويات في الجبيل، يعبر عن إحباط واقعي: "نتحمل عبء الانبعاثات بينما المنتج النهائي يُستهلك في أوروبا - هذا ظلم محاسبي واضح". في المقابل، مارك أندرسون، المستثمر الأوروبي، يراقب بدهشة: "التحول الخليجي يحدث بسرعة إعصار، وأصبحت أراقب استثماراتي الخضراء هناك بنفس اهتمامي بالنفط".
الخليج اليوم يقف على مفترق طرق تاريخي: 55 غيغا طن من الكربون العالمي تنتظر حلولاً جذرية، والمنطقة تمتلك المفاتيح التقنية والمالية للحل. مع مؤشرات ترتفع وطموحات تتسارع، الفرصة التاريخية أمامنا اليوم - إما نقودها أو تقودنا غيرنا. هل سيصبح الخليج رائد الثورة الخضراء العالمية، أم سيفوت القطار الأخضر محطة الخليج؟