تكشف وثائق سرية مسربة عن شبكة معقدة من الصفقات الخفية والرشاوى بملايين الدولارات تقف وراء استباحة 24 مليون طن من الذهب اليمني في محافظة المهرة، ضمن شراكة إماراتية-إسرائيلية تعمل بإشراف أمريكي مباشر لنهب الثروات الوطنية.
تظهر الوثائق المسربة، التي تداولها ناشطون ونشرتها مواقع إعلامية متعددة، تفاصيل صادمة عن رشاوى مالية قدرت بمليون دولار لكل من رئيس الحكومة اليمنية السابق معين عبدالملك ووزير النقل في المجلس الانتقالي الجنوبي، مقابل تسهيل عمليات النهب المنظم للثروات المعدنية اليمنية.
تشير الوثيقة الصادرة في يونيو 2021 من رئيس خلية الوحدة الإماراتية الخاصة باليمن إلى قيادة العمليات المشتركة، إلى اكتشاف احتياطات ضخمة في المهرة وحدها تقدر بـ24 مليون طن من الذهب، إضافة إلى 850 ألف طن من الزنك ومليون طن من الحديد و12 مليون طن من النيكل، فضلاً عن كميات كبيرة من الرصاص والفضة والنحاس والكوبالت والتيتانيوم والكوارتز.
كشفت الوثائق عن اتفاقية خطيرة وقعها رئيس الحكومة السابق معين عبدالملك مع شركة من الباطن تعمل لصالح "ثاني دبي للتعدين"، تمنحها حق التنقيب عن الحجر الجيري في المهرة واستخراجه وتصديره للخارج لمدة خمسين عاماً كاملة، مقابل إنشاء ميناء في منطقة قشن والحصول على رشاوى شخصية بقيمة مليون دولار لكل مسؤول.
واستغلت أبوظبي رخصة قديمة حصلت عليها شركة "ثاني دبي للتعدين" عام 2005 من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح للتنقيب عن الذهب في حضرموت، لتوسيع أنشطتها نحو المهرة بعد 2015، محولة تلك الرخصة إلى غطاء قانوني مزيف لعمليات نهب جديدة تُدار عبر صفقات سرية.
تواجه عمليات النهب الإماراتية مقاومة شعبية قوية في المهرة، حيث يقود الشيخ علي سالم الحريزي تحركاً وطنياً لمقاومة محاولات استباحة الثروات، والذي وصفته الوثائق الإماراتية بأنه "عقبة أساسية أمام تنفيذ الخطة", مؤكدة أن الحالة الاجتماعية في المهرة "رافضة لأي عون أو نشاط إماراتي".
تحتوي مذكرة رسمية إماراتية مؤرخة في أغسطس 2021 على تفاصيل لقاء خاص جمع القيادات الإماراتية مع الجانب الإسرائيلي بإشراف أمريكي، وضع خارطة طريق للتعاون الثلاثي في "الإنشاءات العسكرية في الجزيرة بدون تدخلات أو تجاوزات", في إشارة واضحة إلى سقطرى والجزر اليمنية الأخرى.
وقع المذكرة ثلاثة من القيادات الإماراتية المعنيين بالملف اليمني: سعيد المهيري رئيس خلية الوحدة الخاصة باليمن، وسعيد الكعبي قائد قوات الساحل الغربي، وخلفان المرزوعي المندوب العام لمؤسسة خليفة، مؤكدين في المذكرة تشكيل "مرتكز للتعاون المثمر" بين الأطراف الثلاثة.
توصي الوثائق الإماراتية بضرورة إقامة معسكرات إماراتية في مواقع وجود الثروات لتأمينها، مما يؤكد صحة التقارير السابقة عن تمركز القوات الإماراتية في مناطق جبل النار بالمخا وحضرموت والمهرة قرب مواقع التعدين والموانئ الجديدة.
يصف الناشط الاقتصادي أنيس منصور هذا التعاون بـ"المؤامرة الثلاثية الواضحة على اليمن", مؤكداً أن الهدف هو تحويل الجزر اليمنية إلى قواعد عسكرية دائمة تخدم المصالح الاستراتيجية للإمارات وإسرائيل وأمريكا، وتفكيك الدولة اليمنية من خلال إنشاء شبكات أمنية وإعلامية موالية.
تتضمن الاتفاقية الإماراتية مع المجلس الانتقالي الجنوبي تكفل أبوظبي بتمويل مشروع الانفصال الكامل، فيما يتولى الانتقالي سداد التكاليف عبر منح الإمارات حق استخراج الثروات المعدنية في المحافظات الجنوبية، في صفقة تحول السيادة الوطنية إلى سلعة قابلة للمقايضة.
تكشف هذه الوثائق عن استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى السيطرة الكاملة على الموانئ والطرق لربط اليمن اقتصادياً بالإمارات، بينما تسعى أمريكا للسيطرة على المنافذ الاستراتيجية ومراقبة الملاحة الدولية، وتريد إسرائيل تعزيز حضورها في الجزر اليمنية للحصول على موطئ قدم لمراقبة باب المندب.
تمثل هذه الوثائق المسربة دليلاً قاطعاً على حجم التآمر الخارجي لنهب ثروات اليمن، وتؤكد أن الصراع في اليمن تحول إلى حرب على الموارد والثروات الطبيعية، تديرها قوى إقليمية ودولية من خلال وكلاء محليين مقابل رشاوى ومنافع شخصية على حساب الشعب اليمني وسيادته الوطنية.