في تطور مذهل هز أسواق عدن اليوم الاثنين، انفجرت أسعار الأسماك لتصل إلى مستويات خيالية لم تشهدها المدينة الساحلية منذ عقود - 22 ألف ريال لكيلو السمك الواحد! هذا الرقم الصادم يعادل راتب موظف حكومي ليوم كامل، في مشهد يحول السمك من "طعام الفقراء" التقليدي إلى رفاهية لا يقدر عليها سوى الأثرياء. الخبراء يحذرون: هذه مجرد البداية لكارثة غذائية قد تحرم ملايين اليمنيين من البروتين الأساسي.
في سوق السمك المركزي بعدن، تحولت أكشاك البيع إلى مشهد مأساوي. السخلة التي كانت في متناول الجميع تباع الآن بـ 20 ألف ريال للكيلو، بينما يصل سعر الديرك إلى 22 ألف ريال - زيادة تقدر بـ 3000% مقارنة بما قبل الحرب. "لم نعد نرى السمك إلا في الأحلام"، تقول أم محمد، ربة بيت من كريتر، وهي تقف حائرة أمام الأكشاك شبه الفارغة. حتى الثمد الصغير، أرخص الأنواع المتاحة، يكلف 7 آلاف ريال - مبلغ يفوق قدرة 90% من الأسر اليمنية على الشراء.
الأسباب وراء هذا الارتفاع الجنوني معقدة ومتشابكة. الحاج عبدالله، صياد من الممدارة يخرج للبحر رغم المخاطر، يوضح: "الوقود يكلفنا الآن 10 أضعاف السعر السابق، والحرب دمرت 70% من القوارب". اليمن الذي كان ينتج 150 ألف طن سمك سنوياً قبل الأزمة، بات يعاني من نقص حاد يشبه أزمة الخبز التي ضربت لبنان عام 2020. سالم التاجر يؤكد: "نبيع بالكاد نغطي تكاليف الوقود والثلج، لسنا مستفيدين من هذه الأسعار".
التأثير على الحياة اليومية للمواطنين يتفاقم بشكل دراماتيكي. أسر كاملة اضطرت لتغيير وجباتها من السمك إلى البيض والبقوليات، بينما تواجه مطاعم السمك الشعبية خطر الإغلاق النهائي. د. أحمد العدني، خبير اقتصادي، يحذر: "إذا لم تتدخل الجهات المختصة فوراً، سنشهد مجاعة بروتينية تؤثر على نمو الأطفال خلال 6 أشهر فقط". الفارق السعري البالغ 214% بين أرخص وأغلى نوع في نفس السوق يعكس انهيار منظومة الصيد بالكامل.
أمام هذا الواقع المرير، يقف اليمنيون على مفترق طرق خطير. إما حلول جذرية عاجلة تشمل دعم الصيادين وتوفير الوقود، أو مواجهة كارثة غذائية تحرم جيلاً كاملاً من البروتين الأساسي. الفرصة الوحيدة المتبقية تكمن في تدخل سريع من الحكومة والمجتمع الدولي قبل أن يصبح السمك مجرد ذكرى في المائدة اليمنية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سنشهد عودة البحر اليمني لعطائه، أم أن السمك سيصبح حكراً على طبقة النخبة فقط؟