في صدمة اقتصادية مدوية، فرضت الولايات المتحدة أكبر حزمة عقوبات في التاريخ تستهدف شبكات التمويل الحوثية، مما يهدد بتشريد آلاف العمال اليمنيين خلال أيام قليلة. 60% من السجائر في اليمن مُهرَّبة، ومئات الملايين من الدولارات تُسرق سنوياً من جيوب المواطنين لتمويل آلة الحرب الحوثية، في مشهد يكشف عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
شركة "كمران للصناعة والاستثمار"، العملاق الصناعي الذي تأسس في ستينيات القرن الماضي، تحولت خلال 8 سنوات فقط من مؤسسة وطنية عريقة إلى ماكينة تمويل حرب تدر مئات الملايين للحوثيين. أحمد الكمراني، العامل الذي قضى 15 عاماً في المصنع، يروي بصوت مخنوق: "شاهدت المصنع يتحول من مصدر رزق لآلاف العائلات إلى أداة حرب، والآن نواجه شبح البطالة مع زوجاتنا وأطفالنا". الأرقام الرسمية تكشف أن الشركة تولد مئات الملايين من الدولارات سنوياً للجماعة المسلحة، مبلغ يعادل ميزانية دولة صغيرة بأكملها.
التاريخ يعيد نفسه بقسوة، فكما ضربت العقوبات الاقتصادية على العراق المدنيين أكثر من النظام في التسعينيات، تتجه العقوبات الأمريكية الجديدة لتكرار نفس السيناريو المؤلم. وزارة الخزانة الأمريكية تؤكد أن الشركة "تُستخدم من قبل الحوثيين للسيطرة على أصول حكومية وخاصة"، بينما يحذر خبراء الاقتصاد من أن هذه الخطوة ستضرب الشعب اليمني في مقتل. د. سالم الاقتصادي، المتخصص في الشؤون اليمنية، يحذر قائلاً: "هذه العقوبات كقطع الكهرباء عن حي بأكمله لمعاقبة جار واحد - ستضرب الشعب أكثر من الحوثيين".
الواقع المرير يطل برأسه من كل زاوية: محمد التاجر في صنعاء يواجه أرففاً شبه خالية من السجائر، بينما تنتشر المنتجات المغشوشة كالنار في الهشيم. فاطمة، ربة البيت من تعز، تصرخ بيأس: "السجائر غلت والمرتب ما زاد، كيف نعيش؟" التوقعات تشير إلى ارتفاع حاد في الأسعار خلال أيام، مع انتشار منتجات ضارة مجهولة المصدر تهدد صحة المدخنين. الأسوأ من ذلك، أن آلاف العائلات ستفقد مصدر رزقها الوحيد، في بلد يعاني أصلاً من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
شركة عريقة عمرها 60 عاماً تدفع ثمن صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، وآلاف العائلات اليمنية تواجه مصيراً مجهولاً بين العقوبات الأمريكية والسيطرة الحوثية. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه: هل ستنجح هذه العقوبات التاريخية في قطع شرايين التمويل عن الحوثيين، أم ستزيد من معاناة شعب يدفع منذ عقد من الزمن ثمن حرب لم يختارها؟