تثير دراسة إسرائيلية حديثة زلزالاً في الأوساط الأكاديمية والدينية العالمية، حيث تكشف أن 600 سنة من الروايات التوراتية حول مملكة داود وسليمان لا تجد دعماً في السجل الأثري. الدراسة التي نُشرت في كتاب "التوراة المكشوفة" تطعن في الأسس التاريخية للمطالبات الإسرائيلية بالأرض، وتؤكد أن 150 عاماً من التنقيب الأثري المكثف لم تكشف دليلاً واحداً على خروج 600 ألف إسرائيلي من مصر كما تروي التوراة.
تمثل هذه النتائج صدمة للمؤسسات الدينية والسياسية التي اعتمدت على الروايات التوراتية لتبرير مطالباتها التاريخية. علماء الآثار الإسرائيليون، الذين قادوا هذا البحث الثوري، يؤكدون أن مملكة سليمان العظيمة التي تصفها التوراة لم تكن سوى قرية صغيرة، بينما مئات القرى ظهرت بين 1200 و1000 قبل الميلاد دون أي إشارات لغزو خارجي يدعم رواية الغزو الإسرائيلي لأرض كنعان.
يعلق الدكتور محمود حسان، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، على هذه النتائج قائلاً: "الأدلة الأثرية تعكس صورة مختلفة تماماً عن تلك التي رسمتها التوراة"، مشيراً إلى أن هذه الاكتشافات زعزعت الثوابت التاريخية الدينية لملايين المؤمنين حول العالم. الدراسة تكشف فجوة واسعة بين الروايات الدينية والحقائق العلمية، مما يضع المؤسسات الدينية أمام تحدٍ كبير في إعادة تفسير النصوص المقدسة.
تأتي هذه الاكتشافات في وقت حساس، حيث تستخدم إسرائيل الروايات التوراتية لتبرير سياساتها الاستيطانية والتعليمية في الأراضي المحتلة. التطور السريع في تقنيات التأريخ الأثري كشف عدم توافق النصوص الدينية مع الأدلة العلمية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول صحة الادعاءات التاريخية التي بُنيت عليها السياسات الحالية.
الكشف العلمي يلقي بظلاله على مفهوم "الحق التاريخي" الذي تروج له إسرائيل، خاصة في ظل غياب أي دليل أثري يدعم الروايات التوراتية عن الإمبراطوريات المترامية الأطراف. الباحثون يشيرون إلى أن الصراع بين النصوص الدينية والأدلة العلمية ليس جديداً، لكن هذه المرة يأتي التحدي من داخل المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية نفسها.
تتوقع الأوساط الأكاديمية أن تدعو هذه النتائج إلى إعادة كتابة فصول من التاريخ القديم استناداً لأدلة علمية صلبة، تماماً كما حدث مع اكتشاف طروادة الحقيقية. خبراء التاريخ يؤكدون أن هذا الكشف سيغير نظرة المؤمنين لتاريخهم المقدس، ويفتح المجال لحوار علمي موضوعي حول إعادة تقييم المعتقدات التاريخية.
الجدل الواسع المتوقع حول هذه النتائج يطرح أسئلة أساسية حول استعداد المجتمعات لمواجهة الحقيقة التاريخية مهما كانت صادمة. بينما ترحب الأوساط الأكاديمية بحذر بهذه النتائج، تستعد المؤسسات الدينية لمقاومة هذا المد الجارف من التشكيك العلمي في الأسس التي بُنيت عليها عقود من الاعتقادات.
الدراسة تكشف أيضاً عن محاولات تاريخية لتأكيد الروايات التقليدية من خلال البحث الأثري، لكن النتائج العلمية الحديثة تشير إلى اتجاه مختلف تماماً. هذا التطور يثير تساؤلات حول مصداقية استخدام النصوص الدينية كمصادر تاريخية موثوقة، ويؤكد أهمية الاعتماد على الأدلة العلمية في كتابة التاريخ.
في ظل هذه الاكتشافات الثورية، يبرز العلم مرة أخرى كمضيء للطريق نحو فهم جديد للتاريخ القديم، داعياً الجميع للتعامل بموضوعية مع نتائج علمية قد تكون ثورية أو مدمرة للأسس التي بُنيت عليها المطالبات التاريخية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن مستعدون للخوض في هذا العالم الجديد من الفهم التاريخي الذي يعتمد على الأدلة العلمية بدلاً من الروايات الدينية؟
هذه الدراسة تضع المجتمع الدولي أمام خيارات صعبة، خاصة فيما يتعلق بالسياسات المبنية على ادعاءات تاريخية قد تكون غير دقيقة. الأكاديميون يتوقعون أن تفتح هذه النتائج النقاش حول ضرورة إعادة النظر في الأسس التاريخية للصراعات الحالية، وأهمية الفصل بين الإيمان الديني والحقائق التاريخية العلمية.
يبقى التأثير الحقيقي لهذه الاكتشافات مرهوناً بردود فعل المؤسسات الدينية والسياسية، وقدرة المجتمعات على التعامل مع التحديات التي تطرحها الحقائق العلمية على المعتقدات الراسخة. الوقت وحده سيكشف ما إذا كان هذا الكشف العلمي سيؤدي إلى تغيير جذري في فهم التاريخ القديم أم سيواجه مقاومة من القوى التقليدية التي تستفيد من الوضع الراهن.