الرئيسية / شؤون محلية / كيف حول سد مأرب 98,000 كم² من الصحراء إلى واحة خضراء؟ 4 أسرار هندسية لم تكن تعرفها
كيف حول سد مأرب 98,000 كم² من الصحراء إلى واحة خضراء؟ 4 أسرار هندسية لم تكن تعرفها

كيف حول سد مأرب 98,000 كم² من الصحراء إلى واحة خضراء؟ 4 أسرار هندسية لم تكن تعرفها

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 04 سبتمبر 2025 الساعة 07:55 مساءاً

كشفت الدراسات الأثرية الحديثة عن أسرار هندسية مذهلة وراء قدرة سد مأرب العظيم على تحويل مساحة شاسعة تقدر بـ 98,000 كيلومتر مربع من الأراضي الصحراوية القاحلة إلى واحات زراعية خصبة، مما يجعله أحد أعظم الإنجازات الهندسية في تاريخ الحضارة الإنسانية.

يرجع بناء هذا الصرح الهندسي الفريد إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حين تمكن السبئيون من تطوير تقنيات متقدمة سبقت عصرها بقرون طويلة. التحليلات الأثرية كشفت عن استخدام مسامير معدنية ضخمة مصنوعة من خليط الرصاص والنحاس بطول 16 متراً وقطر 4 سنتيمترات لتثبيت الصخور الجبارة، وهي تقنية لم تكن معروفة في تلك الحقبة التاريخية في أي مكان آخر من العالم.

السر الأول يكمن في النظام الهيدروليكي المعقد الذي صممه المهندسون السبئيون. هذا النظام لم يكتف بحجز المياه فحسب، بل استطاع توزيعها عبر شبكة معقدة من القنوات والسدود الفرعية التي امتدت لمئات الكيلومترات، مما مكّن من ري مساحات زراعية واسعة بكفاءة عالية لم تُضاهى في ذلك العصر.

أما السر الثاني فيتعلق بالطريقة الثورية في إدارة الطمي والرواسب. المهندسون القدماء تمكنوا من تصميم نظام ذكي لتجميع الطمي الخصب الذي تحمله السيول، وتوزيعه على الأراضي الزراعية بطريقة منظمة، مما أدى إلى تجديد خصوبة التربة بشكل طبيعي ومستدام.

السر الثالث يكشف عن براعة في التكيف مع البيئة الصحراوية القاسية. المهندسون السبئيون طوروا تقنيات خاصة للحفاظ على المياه من التبخر في المناخ الحار، من خلال تصميم خزانات مائية محمية وقنوات مغطاة تقلل من فقدان المياه، مما ضمن استدامة النظام لقرون طويلة رغم الظروف المناخية الصعبة.

وتحيط بسد مأرب أساطير غامضة تناقلتها الأجيال عبر التاريخ. إحدى هذه الأساطير تحكي عن اعتقاد السكان المحليين بأن عمالقة من قوم عاد هم من قاموا ببنائه، نظراً لضخامة أحجاره التي يصعب تصور نقلها بالوسائل البدائية المتاحة آنذاك. أسطورة أخرى تربط انهياره الأخير بقوارض عملاقة نخرت أساساته، وهي روايات تعكس الدهشة التي أثارها هذا الإنجاز في عقول معاصريه.

السر الرابع والأكثر إثارة يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي طويل المدى. الدراسات تشير إلى أن السد خضع لعمليات ترميم وتطوير متكررة تجاوزت 8 مرات عبر تاريخه الطويل، مما يعكس وجود نظام إداري متطور ورؤية حضارية بعيدة المدى لدى حكام سبأ لضمان استمرارية هذا المشروع الحيوي.

تأثير هذا السد تجاوز الحدود الجغرافية والزمنية، حيث شكّل محوراً أساسياً في ازدهار حضارة سبأ وتحولها إلى إحدى أهم حواضر العالم القديم. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم تحت مسمى "سَيْلَ الْعَرِمِ" في سورة سبأ، مما أضفى عليه بُعداً دينياً وتاريخياً عميقاً يتجاوز أهميته الهندسية والاقتصادية.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن انهيار السد في القرن السادس الميلادي تسبب في هجرات جماعية غيرت التركيبة السكانية للجزيرة العربية بأكملها، مما يؤكد الدور المحوري الذي لعبه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة. وللأسف، لم يتبقَ من هذا الصرح الهندسي العظيم سوى أطلال وبعض معالم جدرانه، بعد أن تعرض لأضرار إضافية خلال الصراعات المسلحة الأخيرة في اليمن، لكن إرثه الحضاري يظل حاضراً في الذاكرة الجمعية كنموذج مبكر للتنمية المستدامة والتكيف الذكي مع البيئة الصحراوية.

شارك الخبر