أعلن البنك المركزي اليمني مساء أمس الاثنين بدء صرف رواتب شهر سبتمبر 2025 للموظفين الحكوميين بعد شهرين كاملين من التأجيل والانتظار، وسط فوارق صادمة في أسعار صرف الريال اليمني بين المناطق المختلفة التي تعكس حجم الانقسام الاقتصادي في البلاد.
يكشف صرف هذه الرواتب المتأخرة عن أزمة مالية خانقة تضرب البلاد، حيث تضطر السلطات للجوء إلى آليات استثنائية مؤقتة للوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين. وحدد البنك المركزي جهتين فقط لصرف الرواتب هما بنك التسليف التعاوني والزراعي والهيئة العامة للبريد والتوفير البريدي، مما ينبئ بطوابير طويلة وازدحام شديد في هذين المرفقين.
تتجلى الصدمة الحقيقية في التفاوت الهائل بأسعار صرف الريال اليمني بين المناطق المختلفة، حيث يتداول الريال في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً عند مستوى 1616 ريالاً مقابل الدولار الواحد، فيما يظل ثابتاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين عند 534 ريالاً للدولار فقط. هذا التفاوت الصادم يعني أن نفس الراتب المصروف يختلف في قيمته الحقيقية بشكل جذري بين منطقة وأخرى.
يواجه آلاف الموظفين الحكوميين وأسرهم أزمة معيشية حقيقية جراء هذا التأخير المستمر، حيث لم تُصرف رواتب وحدات الجيش منذ يونيو الماضي، بينما لم يتسلم موظفو الخدمة المدنية رواتبهم منذ يوليو. أحمد المواجه، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، يعبر عن معاناته قائلاً: "نعيش على الدين منذ شهرين، أطفالي يسألونني متى سنشتري احتياجات المنزل وأنا عاجز عن الإجابة".
رغم التحسن النسبي الذي شهده الريال اليمني في المناطق الحكومية، والذي ارتفع بنسبة 17% مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا التحسن لم ينعكس على قدرة الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المالية. شهد الريال تقلبات حادة خلال الأشهر الماضية، حيث سجل أدنى مستوى تاريخي عند 2903 ريالات مقابل الدولار في يوليو، قبل أن يتعافى تدريجياً بفضل تدخل البنك المركزي الذي شدد رقابته على سوق الصرف وألغى تراخيص شركات صرافة متهمة بالمضاربة.
في المقابل، أعلنت سلطات الحوثيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها عن صرف نصف راتب فقط للموظفين، مما يضاعف معاناة الأسر في تلك المناطق. فاطمة الزبيدي، موظفة في وزارة التربية، تصف المشهد قائلة: "نقف في طوابير لا تنتهي، وجوه متعبة وقلوب قلقة، والجميع يتساءل متى سيأتي الراتب التالي".
يكشف تقرير حديث لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن الأزمة المالية تفاقمت رغم إعلان السعودية في سبتمبر الماضي عن دعم مالي بقيمة 1.38 مليار ريال سعودي (نحو 368 مليون دولار)، والذي لم يُقدم حتى الآن. يحذر الخبير الاقتصادي محمد الحمادي من استمرار هذا الوضع، مؤكداً أن "ما نشهده اليوم هو انعكاس لأزمة هيكلية عميقة، والحلول المؤقتة لن تجدي نفعاً طويلاً".
انعكس التحسن النسبي للعملة على أسعار السلع في المناطق الحكومية، حيث انخفضت أسعار المواد الغذائية والوقود بنسب تراوحت بين 20% و40%، مما خفف جزئياً من العبء المعيشي على المواطنين. ومع ذلك، يشير برنامج الأغذية العالمي إلى استمرار هشاشة الوضع الغذائي، حيث لا تحصل 62% من الأسر اليمنية على كفايتها من الغذاء، فيما قضى أفراد من 12% من الأسر في مناطق الحكومة و18% في مناطق الحوثيين 24 ساعة كاملة دون طعام.
تمثل الآلية الاستثنائية المعتمدة لصرف الرواتب حلولاً مؤقتة تعكس عمق الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، حيث أصبح تأخير الرواتب أمراً اعتيادياً في ظل نقص السيولة وتدهور الإيرادات النفطية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستتمكن السلطات من ضمان انتظام صرف الرواتب مستقبلاً، أم ستستمر دوامة الانتظار والمعاناة التي تضرب آلاف الأسر اليمنية؟