في قلب مدينة الرياض، تنمو اليوم واحدة من أكثر المشاريع الحضرية طموحاً في العالم. على أرض مطار الرياض القديم، تتشكل معالم "حديقة الملك سلمان" التي ستصبح عند اكتمالها أضخم حديقة حضرية على مستوى العالم.
هذا المشروع العملاق الذي يأتي ضمن رؤية السعودية 2030 لا يمثل فقط مساحة خضراء استثنائية، بل يجسد تحولاً جذرياً في مفهوم التخطيط الحضري بالمملكة، ويعكس رؤية طموحة لتحويل العاصمة السعودية إلى واحة خضراء عالمية المستوى تجمع بين الطبيعة والثقافة والترفيه في مكان واحد.
الموقع والاستعدادات اللوجستية:
تستقر حديقة الملك سلمان على مساحة مذهلة تبلغ 16.6 كيلومتراً مربعاً في موقع استراتيجي بقلب العاصمة السعودية، حيث كانت قاعدة الملك سلمان الجوية سابقاً.
وتشير التقارير الصادرة عن الهيئة الملكية لمدينة الرياض إلى أن هذا الموقع المميز سيتيح للزوار سهولة الوصول إلى الحديقة من مختلف أنحاء المدينة عبر شبكة متكاملة من المواصلات تشمل خطوط المترو والحافلات والطرق الرئيسية.
وتضم الحديقة الضخمة أكثر من 11.6 مليون متر مربع من المساحات الخضراء المتنوعة، مع خطط طموحة لزراعة أكثر من مليون شجرة، ما سيخلق رئة خضراء ضخمة وسط النسيج الحضري للرياض، ويسهم في تحسين جودة الهواء وخلق مناخ محلي أكثر اعتدالاً.
التكاليف والمكونات:
يتطلب مشروع بهذا الحجم استثمارات ضخمة، حيث تقدر تكلفته بنحو 9.4 مليار دولار أمريكي (ما يعادل 34.5 مليار ريال سعودي) وفقاً لتحديثات عام 2025 التي أوردتها مؤسسة بلاك ريدج ريسيرش.
وتتضمن الحديقة مجموعة متنوعة من المرافق والمكونات الفريدة، يأتي في مقدمتها المجمع الملكي للفنون الذي سيضم متاحف عالمية المستوى ومسارح ومعاهد فنية، بالإضافة إلى مكتبة ضخمة تحتوي على أكثر من 250 ألف كتاب.
ويبرز أيضاً "الوادي" كأحد أهم معالم الحديقة، وهو منطقة طبيعية مستوحاة من تضاريس نجد التاريخية، مصممة بعناية لتحتوي على مسارات مائية وظلال طبيعية توفر ملاذاً من حرارة الصيف.
وتكتمل منظومة الحديقة بمسار دائري للمشاة يمتد لمسافة 7.2 كيلومتر، مخصص لممارسة رياضة المشي وركوب الدراجات، إلى جانب مرافق رياضية وثقافية متنوعة تشمل صالات رياضية ومسارح ودور سينما ومناطق ترفيهية.
التأثير العالمي وتوقعات المستقبل:
من المتوقع أن تحدث حديقة الملك سلمان تأثيراً عالمياً كبيراً عند اكتمالها، خاصة وأنها ستتفوق بحجمها على أشهر الحدائق العالمية.
فكما تؤكد بيانات الهيئة الملكية لمدينة الرياض، ستكون الحديقة أكبر من حديقة هايد بارك في لندن بسبعة أضعاف، ومن سنترال بارك في نيويورك بخمسة أضعاف، ما سيجعلها معلماً عالمياً بارزاً ووجهة سياحية جاذبة.
وتشير التقديرات إلى أن الحديقة ستستقبل ملايين الزوار سنوياً، ما سيعزز من مكانة الرياض كوجهة سياحية وثقافية عالمية.
ويتوقع المسؤولون افتتاح الحديقة في عام 2026، لتصبح إحدى ثمار رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحسين جودة الحياة في المملكة، كما ستسهم في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال السياحة والأنشطة الترفيهية والثقافية المتنوعة.
ستشكل حديقة الملك سلمان عند اكتمالها نقلة نوعية في مفهوم الحدائق الحضرية ليس في المملكة فحسب، بل على مستوى العالم.
هذا المشروع الطموح يتجاوز كونه مجرد مساحة خضراء، ليصبح منظومة متكاملة تجمع بين الطبيعة والثقافة والرياضة والترفيه.
ومع اقتراب موعد الافتتاح المرتقب في 2026، تترقب الرياض تحولاً جذرياً في بنيتها الحضرية وتحسناً ملموساً في جودة الحياة لسكانها وزوارها، ما يضع المملكة على خريطة الإنجازات البيئية والحضرية العالمية، ويؤكد جديتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن رؤية 2030.