في اكتشاف علمي مذهل يُحير علماء الجيولوجيا، ويضيف فصلاً جديداً لتاريخ البحر الأحمر، أعلنت شركة "البحر الأحمر الدولية" عن العثور على مستعمرة مرجانية ضخمة من نوع "بافونا" قد يصل عمرها إلى 800 عام.
هذه المستعمرة التي تقع في مياه وجهة "أمالا" على الساحل الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية، تعد واحدة من أكبر المستعمرات المرجانية المكتشفة في العالم، وتتنافس في حجمها مع أكبر مستعمرة مرجانية معروفة والتي تم العثور عليها سابقاً في المحيط الهادئ.
تفاصيل الاكتشاف وأهميته:
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه الأكبر من نوعه في البحر الأحمر حتى الآن، مما يُشكّل إضافة استثنائية للنظام البيئي في المنطقة.
ووفقاً للمعلومات التي كشفتها "البحر الأحمر الدولية"، تنافس هذه المستعمرة المرجانية في حجمها أضخم مستعمرة مرجانية تم العثور عليها في المحيط الهادئ بمساحة تبلغ 32×34 متراً، الأمر الذي يضعها في مصاف الاكتشافات العلمية النادرة على مستوى العالم.
وصرح أحمد الأنصاري، رئيس حماية البيئة وتجديدها في "البحر الأحمر الدولية"، بأن "هذا الاكتشاف الاستثنائي يعكس الأهمية البيئية الكبيرة التي يمثلها البحر الأحمر، إلى جانب جماله الطبيعي الفريد".
ومن المتوقع أن تتحول هذه المستعمرة المرجانية إلى وجهة سياحية رئيسية في منطقة "أمالا"، حيث ستوفر تجربة غوص فريدة للزائرين، مع الحرص التام على المحافظة على البيئة البحرية وحماية النظام البيئي المحلي من أي تأثيرات سلبية.
تحديات ودراسات مستقبلية:
يواجه العلماء تحديات كبيرة في تحديد العمر الدقيق لهذه المستعمرة المرجانية العملاقة.
فقد أشارت الدراسات الأولية إلى أن تقدير عمر المستعمرة يتراوح بين 400 و800 عام، وذلك استناداً إلى حجمها الضخم ومقارنة معدلات النمو مع نظيراتها في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى استخدام تقنيات التصوير الفوتوغرامتري المتطورة.
هذه التقديرات تعني أن هذه المستعمرة قد بدأت في النمو خلال فترة تاريخية شهدت أحداثاً عالمية مهمة مثل غزو جنكيز خان للصين وتأسيس أقدم الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا.
وتعتزم "البحر الأحمر الدولية" بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية لتحديد عمر المرجان بدقة أكبر.
كما يخطط الباحثون للمراقبة المستمرة لهذه المستعمرة بهدف فهم العوامل التي ساعدتها على البقاء والصمود لقرون طويلة في بيئة البحر الأحمر ذات الظروف الفريدة، الأمر الذي قد يقدم رؤى علمية جديدة حول قدرة الشعاب المرجانية على التكيف مع التغيرات البيئية المختلفة.
البعد البيئي والجيولوجي للمستعمرة:
تتميز الشعاب المرجانية في البحر الأحمر بقدرتها الفائقة على الصمود في وجه الظروف البيئية القاسية.
وفي هذا السياق، أوضحت العالِمة روندا سوكا، إحدى المشاركات في اكتشاف هذه المستعمرة، قائلة: "إن العثور على هذه المستعمرة كان بمثابة اكتشاف كنز طبيعي.
وما يميزها هو قدرتها الفائقة على الصمود في ظل الظروف البيئية الصعبة". هذه القدرة الاستثنائية على التكيف جينياً مع ارتفاع درجات الحرارة والملوحة العالية في مياه البحر الأحمر تجعل من هذه الشعاب المرجانية نظاماً بيئياً فريداً يستحق الدراسة والحماية.
علاوة على ذلك، وصفت العالِمة سيلفيا ياغيروس هذا الاكتشاف بأنه "نادر بشكل لا يصدق"، مشبهة إياه باكتشاف "وحيد قرن أبيض شمالي في البرية"، في إشارة إلى ندرته الاستثنائية.
جدير بالذكر أن هذا الاكتشاف يُعد جزءاً من مشروع "Map the Giants" الذي يهدف إلى توثيق المستعمرات المرجانية العملاقة حول العالم التي تتجاوز مساحتها 5 أمتار.
ويمثل هذا الاكتشاف ثاني مستعمرة مرجانية عملاقة يتم توثيقها من قبل "البحر الأحمر الدولية" في الأشهر الأخيرة، مما يسلط الضوء على الثراء البيئي الاستثنائي لمنطقة البحر الأحمر.
ويشكل هذا الاكتشاف العلمي المهم إضافة قيمة لفهمنا للأنظمة البيئية البحرية وقدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة.
ومع استمرار الدراسات العلمية حول هذه المستعمرة المرجانية العملاقة، يأمل الباحثون في اكتساب معرفة أعمق حول الآليات التي تمكن الشعاب المرجانية من البقاء والازدهار لقرون،
وهو ما قد يساعد في وضع استراتيجيات أفضل للحفاظ على هذه الكنوز الطبيعية في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه محيطات العالم.
كما يؤكد هذا الاكتشاف على أهمية مواصلة الجهود العلمية والبيئية لحماية التنوع البيولوجي البحري الفريد في منطقة البحر الأحمر.

