في تطور اقتصادي مرعب يهز أسس الواقع المالي اليمني، تتسع الفجوة السعرية للذهب بين عدن وصنعاء لتصل إلى 213% - رقم صادم يعني أن جراماً واحداً من الذهب عيار 21 يباع بـ192,400 ريال في عدن مقابل 61,500 ريال فقط في صنعاء. هذا الاختلاف المجنون، الذي يصل إلى 130,900 ريال للجرام الواحد، يعادل راتب موظف حكومي لثلاثة أشهر كاملة، ويطرح سؤالاً محورياً: هل نشهد انهياراً كاملاً للوحدة الاقتصادية اليمنية؟
أم محمد، ربة بيت من عدن تبلغ من العمر 45 عاماً، تحدق بحسرة إلى أساورها الذهبية وهي تقول: "كنت أظن أن هذا الذهب سيحمي مدخرات العائلة، لكنني اكتشفت أنني محاصرة في مدينة تلتهم أموالنا." الأرقام الرسمية تؤكد كلامها بوضوح مؤلم: الفرق السعري وصل إلى مستوى لم تشهده المنطقة العربية منذ انهيار الليرة اللبنانية في الثمانينات. د. عبدالله المالكي، الاقتصادي المتخصص في أسواق المعادن النفيسة، يؤكد: "هذه ليست مجرد تقلبات سعرية عادية، بل مؤشر خطير على تفكك البنية الاقتصادية للبلاد."
الجذور العميقة لهذه الكارثة الاقتصادية تعود إلى عام 2014، عندما انقسمت العملة اليمنية بحكم الأمر الواقع بين شطري البلاد. الحرب الأهلية المدمرة، انهيار الخدمات المصرفية، وضعف الحكومة المركزية خلقت اقتصادين منفصلين تماماً داخل حدود دولة واحدة. الخبراء يشبهون الوضع الحالي بـ"زلزال اقتصادي مستمر" يضرب أسس الحياة المالية اليمنية يومياً. التوقعات تشير إلى أن الفجوة قد تتسع أكثر، خاصة مع استمرار التضخم الجامح وتدهور قيمة الريال اليمني في المناطق المختلفة.
فؤاد السياني، مواطن يمني يعمل في التجارة بين المدينتين، يصف الوضع بكلمات مؤثرة: "أصبحت أشعر وكأنني أعيش في بلدين مختلفين تماماً، حيث نفس القطعة الذهبية تحمل قيمتين مختلفتين حسب المكان." هذا الواقع المرير يدفع العائلات لإعادة حساباتها المالية بالكامل، والبعض يفكر جدياً في الهجرة هرباً من الجحيم الاقتصادي. السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين الأسوأ - توسع الفجوة لتصل 400% - والأفضل وهو توحيد تدريجي قد يستغرق سنوات. المؤكد أن المواطن العادي يدفع الثمن الأغلى في هذه المعادلة المعقدة.
بينما يتسارع الزمن وتتعمق الأزمة، يطرح الواقع اليمني تساؤلاً مؤلماً حول مستقبل الوحدة الاقتصادية في البلاد. الحل يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً وإرادة سياسية حقيقية لإنهاء الانقسام النقدي. أما السؤال الذي يؤرق ملايين اليمنيين الليلة فهو: هل سيصبح الذهب - رمز الثراء والأمان - حلماً بعيد المنال للمواطن اليمني العادي؟