في مشهد اقتصادي صادم يكشف عمق الأزمة الخفية في اليمن، تشهد أسعار الذهب فجوة مذهلة تصل إلى 213% بين مدينتين في البلد الواحد! جرام الذهب عيار 21 الذي يُباع بـ 61,500 ريال في صنعاء، يرتفع إلى 192,400 ريال في عدن - فرق يبلغ 130,900 ريال للجرام الواحد. هذا الرقم المهول يفوق راتب موظف لأشهر عديدة، ويكشف واقعاً اقتصادياً منقسماً لا يصدقه العقل.
أم محمد، ربة منزل من صنعاء، تقف أمام محل الصاغة وعيناها تذرفان دموع الحسرة: "كنت أحلم بشراء طقم ذهب لابنتي لزفافها، لكن عندما علمت أن نفس الطقم في عدن يكلف ثلاثة أضعاف السعر، أدركت أننا نعيش في بلدين مختلفين تماماً." وبينما تتألق أساور الذهب خلف الواجهات الزجاجية تحت الأضواء الساطعة، تختلط همهمات الزبائن المصدومين مع صوت رنين الذهب الذي بات حلماً بعيد المنال. فالأرقام تصرخ بوضوح: جنيه الذهب في عدن يُباع بـ 1,539,000 ريال، بينما لا يتجاوز 486,000 ريال في صنعاء - فرق مليون وخمسين ألف ريال!
وراء هذه الفجوة السعرية المدمرة تكمن جذور الأزمة اليمنية العميقة، حيث يعيش البلد الواحد واقع اقتصادين منفصلين تماماً. الانقسام السياسي الذي دام لسنوات خلق أسواقاً موازية وأسعار صرف متباينة، جعلت من المستحيل توحيد الأسعار. د. علي الاقتصادي، محلل الأسواق المالية، يحذر: "هذه الفجوة السعرية ليست مجرد رقم، بل مؤشر خطير على تفكك النسيج الاقتصادي للبلد." وبينما يحقق الذهب أرقاماً قياسية عالمياً عند 4,068 دولار للأوقية، يدفع المواطن اليمني ضريبة الانقسام من جيبه وأحلامه.
هذا الواقع المرير يعيد تشكيل الحياة اليومية لملايين اليمنيين بطرق لا تُحصى. فاطمة، العروس التي اضطرت لتأجيل زفافها، تمثل آلاف الفتيات اللواتي يرين أحلامهن تتبخر أمام هذه الأرقام الصاعقة. أما أحمد التاجر من عدن، فقد وجد في هذه الأزمة فرصة ذهبية: "نعم، الأسعار مرتفعة، لكن من يستطيع التنقل بين المدن يحقق أرباحاً خيالية." لكن هذه "الفرصة" تأتي بتكلفة باهظة على المجتمع، حيث تتسارع حركة التهريب وتزداد المخاطر الأمنية، بينما يفقد المواطن العادي قدرته على شراء أبسط القطع الذهبية التي اعتاد عليها في المناسبات.
الأرقام تتحدث بوضوح عن مأساة حقيقية: الفرق البالغ 130,900 ريال للجرام الواحد يكفي لشراء سيارة مستعملة صغيرة، بينما مليون الريال الفاصلة بين أسعار الجنيه الذهبي في المدينتين تمثل دخل أسرة كاملة لأشهر طويلة. هذه ليست مجرد أرقام، بل قصص إنسانية لأشخاص يدفعون ثمن أزمة لم يختاروها. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: في بلد واحد.. مدينتان.. واقتصادان مختلفان تماماً - إلى أين يسير اليمن؟