في إنجاز يحبس الأنفاس، كشفت الهيئة العامة للإحصاء عن وصول 3.767 ملايين زائر إلى المدينة المنورة خلال ثلاثة أشهر فقط، بمعدل يفوق 41 ألف زائر يومياً! لكن المفاجأة الحقيقية تكمن في انقلاب جذري يعيد تشكيل خارطة السياحة الدينية: للمرة الأولى في التاريخ، تتفوق النساء على الرجال في زيارة المدينة المقدسة من خارج المملكة، في ظاهرة تكشف تحولاً ديموغرافياً قد يغير وجه الحج والعمرة للأبد.
تُظهر الأرقام الرسمية تبايناً مذهلاً يصل إلى 22% بين أنماط الزيارة من الداخل والخارج. فاطمة المغربية، التي تزور المدينة للمرة الثالثة، تؤكد: "الخدمات تحسنت بشكل لا يُصدق، أشعر وكأنني في بيتي الثاني." المفارقة الأكثر إثارة: بينما تشكل النساء 53.9% من زوار الخارج البالغ عددهم 2.1 مليون، نجد أن الذكور يهيمنون على الزيارات الداخلية بنسبة 68.5%، في تناقض يكشف عن تغيرات اجتماعية عميقة تعيد تعريف السياحة الدينية.
خلف هذه الأرقام الاستثنائية تقف رؤية المملكة 2030 التي استثمرت مليارات الريالات في تطوير البنية التحتية وتحسين تجربة الزوار. د. عبدالرحمن التركي، خبير السياحة الدينية، يؤكد: "هذه الإحصائيات تعكس نجاحاً باهراً في تحويل المدينة المنورة إلى وجهة عالمية متطورة." الاستثمارات الضخمة في التقنيات الذكية، توسيع الحرم النبوي، وتطوير خدمات الضيافة حولت التجربة الروحانية إلى رحلة تجمع بين الخشوع والراحة.
لكن وراء الأرقام البراقة، يواجه محمد الغامدي صاحب شركة النقل السياحي تحديات يومية هائلة: "ضاعفت أرباحي 300% لكن الضغط على خدماتنا يفوق التصور." أم محمد، العاملة البنجلاديشية التي ادخرت لسنوات لتحقق حلم الزيارة، تواجه صعوبة متزايدة في الحصول على إقامة بأسعار معقولة. الازدحام المتنامي يخلق معادلة صعبة: فرص ذهبية للمستثمرين مقابل تحديات حقيقية للزوار العاديين الباحثين عن التجربة الروحانية الأصيلة دون إفلاس جيوبهم.
هذه الأرقام التاريخية تضع المملكة على عتبة تحول جذري في صناعة السياحة الدينية العالمية. مع توقع خبراء القطاع وصول الأرقام إلى 5 ملايين زائر بحلول 2026، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل تمكنت المدينة المنورة من إعادة تعريف معنى الحج والعمرة في القرن الحادي والعشرين؟ وهل ستصبح النموذج الذي تحتذي به بقية المقدسات الإسلامية حول العالم؟